ونحن بحمد الله سبحانه قد أوضحنا لك التحريم في المقام بالأدلّة التي لا يحوم حولها نقض ولا إبرام ، حسب ما قرّره العلماء الأعلام من القواعد المقرّرة في الاستدلال ، والضوابط المحرّرة التي لا يعتريها الإشكال.
السابع : قوله : (ومخالفة ظاهر جلّ الأصحاب) ، فإنّه من أعجب العجاب ، ولكن سيأتي ما هو أعجب منه في الباب ؛ إذ المخالفة إنّما تطلق لغة وعرفا في مقام السلب والإيجاب والإثبات والنفي ، بأن يثبت مثبت حكما وينفيه آخر أو بالعكس ، لا في مقام السكوت عن الحكم وعدم التعرّض له بنفي ولا إثبات ؛ إذ من الظاهر البيّن أن أحدا من الأصحاب سابقا لم يتعرّض لذكر هذه المسألة بنفي ولا إثبات ؛ فكيف تحصل مخالفتهم لمن قال بها وأثبتها؟
ويلزم على كلام هذا القائل ، أنّه لو فعل أحد فعلا ، أو لبس ثوبا ، أو أكل شيئا ولا يعلم عن الأئمّة عليهمالسلام فيه نفيا ولا إثباتا ، أنّه خالف الأئمّة عليهمالسلام. على أنّا قد أوضحنا سابقا تصريح محقّقي الأصحاب بجواز المخالفة لما ادّعي فيه الإجماع منهم ، إذا قام الدليل للفقيه على خلافه ، فكيف ما لم يذكروه بالكليّة بنفي ولا إثبات؟
وقد ذكرنا أيضا ما ذهب إليه المحدّثان المتأخّران وشيخنا البهائي (١) والمجلسي (٢) ـ قدس الله أرواحهم وطيّب مراحهم ـ ممّا هو من قبيل ما نحن فيه ، ولم أره ولا غيره يطعن في ذلك ، بل ربّما يتبعهم ويسلك معهم في تلك المسالك ، لكنّ الأمر كما قاله شيخنا الشهيد الثاني ـ كما قدّمنا من كلامه ـ من أن زلّة المتقدّم متسامحة بين الناس دون المتأخّر (٣).
الثامن : قوله : (ولعلّهم رضوان الله عليهم) ـ إلى آخره ـ فإن فيه :
__________________
(١) الحبل المتين : ١٥٩.
(٢) بحار الأنوار ٨٠ : ٣١٦.
(٣) مسالك الأفهام ٦ : ٢٩٩.