أوّلا : أن هذا الكلام إنّما يصحّ لو كانوا صرّحوا بجواز الجمع في هذه المسألة ، وإلّا فسكوتهم عن الحكم وعدم ذكرهم له بنفي ولا إثبات لا يدلّ على قولهم بجوازه وحكمهم بصحّته ، حتّى يفرّع عليه هذه التفريعات ، ويطوّل به هذه التطويلات. ولم نر أحدا عدّ السكوت دليلا على الجواز والرضا ، إلّا في استئذان البكر البالغ في التزويج ، فإنّهم جعلوا سكوتها إقرارها ، فإن كان هذا قياسا على هذا فيمكن تمشية هذا الكلام ، وكفى به وهنا وضعفا لا يخفى على أحد من (١) الأنام.
وثانيا : أنّه لو جاز ردّ النصوص بمثل هذه التخرّصات البعيدة ، والتمحّلات الغير السديدة لتعطّلت الأحكام في كثير من الموارد و (٢) المواضع ، واتّسع الخرق فيها على الراقع (٣) ؛ إذ مثل هذه التخرّصات غير عزيزة الوجود لكلّ قائل ، ولا صعبة الحصول على المجادل ؛ إذ التخرّص بـ (لعلّ) ممكن في كلّ حكم قلّ أو جلّ.
ومن أين علم أن وقوع الجمع كان غير نادر في عصر الأئمّة عليهمالسلام؟ أبحديث بلغه؟ أم بتواتر اتّصل به؟ وما رأينا أعجب من أن يقول الصادق عليهالسلام : لا يحلّ الجمع بين اثنتين من ولد فاطمة ، ثم يتجاسر متجاسر بعد سماعه هذا الكلام ويقول : إن الجمع في زمانهم عليهمالسلام كان جائزا ، وأنّهم لم يمنعوا عنه ، ويجزم بذلك ويفتي به بمجرّد هذه التخرّصات والترهات من غير دليل شرعي يبني عليه ، ولا معتمد قطعي يلجأ إليه. إن هذا لمن أعجب العجاب عند ذوي الأذهان والألباب ،
__________________
(١) أحد من ، ليس في «ح».
(٢) الموارد و، ليس في «ح».
(٣) إشارة إلى البيت الذي يقول :
لا نسب اليوم ولا خلّة |
|
اتّسع الخرق على الراقع |
وقد اختلف في قائله ، وهو من البحر السريع. كتاب سيبويه ٢ : ٢٨٥ / ٣٠٩ ، اللمع (ابن جني) : ١٠٩ ، الأمالي النحوية (ابن الحاجب) ٢ : ١٢٤ / ٨٦ ، شرح الأشموني على ألفية ابن مالك ١ : ١٥١ ، شرح شذور الذهب : ٨٧ : ٣٣ ، لسان العرب ٩ : ٣٨ ـ عتق.