صاحبها لها وغير ذلك من الأمور ، فليس عَجباً أن يفعل فرس الحسين عليهالسلام ذلك ، نعم ، يبقى قتله لنفسه منوطاً بفكرة المعجزة أو بصحّة الرواية.
الجهة الثامنة : نقلَ التاريخ عن زيد بن أرقم وهو أحد الصحابة ـ وقد كان يومئذٍ بالشام ـ أنّه سمعَ رأس الحسين عليهالسلام يتلو قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً) (١) ، فقال زيد بن أرقم : سيدي ، رأسك أعجب وأغرب (٢).
فهل نُصدِّق هذه الرواية أو نستبعدها باعتبار أنّه من المستحيل طبيعياً أن ينطق الموتى مطلقاً ، أو قل : أن ينطق الرأس وهو متصل بصاحبه ، فضلاً عمّا إذا كان مقطوعاً ، فضلاً عمّا إذا كان مرّ على قطعه رَدح من الزمن؟
إلاّ أنّ هذا الاستبعاد في غير محلّه ؛ لعدّة مستويات من التفكير نذكر منها :
المستوى الأوّل : إنّه من الواضح أنّ مثل هذه الروايات لا ينبغي أن نعرضها أمام القانون الطبيعي ؛ لأنّها قائمة على خصوص المعجزة ، وليس لها من القانون الطبيعي أيّ نصيب ، وإذا حَدثت المعجزة أمكنَ ذلك وغيره ، وبالمعجزة نطقَ رأسان في البشرية المعروفة هما : رأس يحيى بن زكريا عليهماالسلام ، ورأس الحسين عليهالسلام.
المستوى الثاني : إنّ نُطق الرأس ؛ إنّما كان لإقامة الحجّة على أهل الشام الذين كانوا يجهلون شأن الحسين وإمامته وصدق قضيته ، بل كان الحكّام لديهم يغرسون في أذهانهم أنّ هذا الموكب لسبايا غير مسلمين من الروم ، أو الزنج ، أو الديلم ، أو القبط ونحو ذلك ، وكان لابدّ لهذا الجانب ـ أعني لموكب الحسين عليهالسلام ـ أن يُثبّت صِدق قضيّته ، وفي الواقع أنّهم لم يُقصّروا في ذلك بعد أن
__________________
(١) سورة الكهف : آية ٩.
(٢) البحار للمجلسي : ج ٤٥ ، ص ١٢١.