وحينئذ يتبين لهم الحق في كل ما اختلفوا فيه بما يمحو شبه الجاحدين وعناد المخالفين.
ثم بين جزاء المحقّ والمبطل وكيفيته فقال :
(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) أي فأما الذين كذبوك وهم اليهود فأعذبهم في الدنيا بإذلالهم بالقتل والأسر وتسليط الأمم عليهم ، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى ، وهم لا يجدون حينئذ نصيرا كما لم يجدوا ذلك فى الدنيا.
(وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) أي وأما الذين صدّقوك وأقروا بنبوّتك وبما جئتهم به من الحق ، ودانوا بالإسلام الذي بعثك الله به ، وعملوا بالأوامر وتركوا النواهي ـ فيؤتيهم الله أجرهم كاملا غير منقوص.
ثم بين علة جزاء الفريقين بما جازى فقال :
(وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي والله لا يحب من ظلم غيره حقا له ، أو وضع شيئا في غير موضعه ، فكيف بظلم عباده له ، فهو يجازيه بما يستحق.
وفي هذا وعيد منه للكافرين به وبرسله ، ووعد منه للمؤمنين به وبرسله (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) أي هذه الأنباء التي أنبأتك بها عن عيسى وأمه مريم وأمها ، وزكريا وابنه يحيى ، وما قصّ من أمر الحوار بين واليهود من بنى إسرائيل نقرئها لك على لسان جبريل.
وهى من القرآن الحكيم الذي يبين وجوه العبر في الأخبار والحكم في الأحكام فيهدي المؤمنين إلى لب الدين وفقه الشريعة ، وأسرار الاجتماع البشرى.
وفيها حجة على من حاجك من وفد نجران ، ويهود بنى إسرائيل الذين كذبوك وكذبوا ما جئنهم به من الحق.