(٤) (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) أي واجعلنى ممن يدخلون الجنة ويتمتعون بنعيمها كما يتمتع المالك بما يملكه ميراثا ويئول إليه أمره من شئون الدنيا.
وبعد أن طلب السعادة الدنيوية والأخروية لنفسه طلبها لأقرب الناس إليه وهو أبوه فقال :
(٥) (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) أي واغفر له ذنوبه ، إنه كان ضالا عن طريق الهدى ، وهذه الدعوة وفاء بما وعده من قبل كما جاء فى آية أخرى :
«وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ».
ثم طلب من ربه عدم خزيه وهوانه يوم القيامة فقال :
(٦) (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) أي ولا تخزنى بمعاتبتي على ما فرطت ، أو بنقص مرتبتى عن بعض الوارثين.
ثم بين حال هذا اليوم وما فيه من شديد الأهوال فقال :
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أي يوم لا يقى المر ، من عذاب الله المال ولو افتدى بملء الأرض ذهبا ، ولا البنون ولو افتدى بهم جميعا ، ولكن ينفعه أن يجىء خالصا من الذنوب وأدرانها ، وحب الدنيا وشهواتها ، وخص الابن بالذكر لأنه أولى القرابة بالدفع والنفع ، فإذا لم ينفع فغيره من القرابة أولى.
قال النسفي : وما أحسن ما رتب عليه السلام من كلامه مع المشركين ، حيث سألهم أوّلا عما يعبدون سؤال مقرّر لا مستفهم ، ثم أقبل على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ، وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين فأخرجه من أن يكون شبهة فضلا عن أن يكون حجة ، ثم صور المسألة فى نفسه دونهم حتى تخلّص منها إلى ذكر الله تعالى ، فعظم شأنه ، وعدّد نعمه من حين إنشائه إلى وقت وفاته ، مع ما يرجى فى الآخرة من رحمته ، ثم أتبع ذلك أن دعا بدعوات المخلصين ، وابتهل إليه ابتهال الأدب ، ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعذابه وما يفعل المشركون يومئذ من الند