خاف عليهم من قومه ، وحصلت له مساءة وغم بسببهم ، مخافة أن يقصدهم أحد بسوء وهو عاجز عن مدافعة قومه ، وتدبير الحيلة لحمايتهم ودفع الأذى عنهم ، وحين رأوه على هذه الحال من القلق والاضطراب قالوا له : هوّن على نفسك ولا تخف علينا ، ولا تحزن بما نفعله بقومك ، فإنهم قد بلغوا فى الخبث مبلغا لا مطمع فى رجوعهم عنه مهما نصحت وألحفت فى الإرشاد.
ثم ذكروا ما يوجب زوال خوفه وحزنه وما يشيرون به إلى أنهم ملائكة فقالوا :
(إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أي إنا منجوك من العذاب الذي سينزل بقومك ، ومنجو أتباعك معك ، فلن يصيبكم ما يصيبهم منه إلا امرأتك فإنها من الهالكين ، لمظاهرتها إياهم والميل إلى شد أزرهم والدفاع عنهم ، فقد كانت تدلهم على ضيوفه ، فيقصدونهم بالسوء ، فصارت شريكة لهم فى الجرم.
وبعد أن بشروه بالنجاة قالوا له :
(إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي منزلون عليها عذابا من لدنا يرتجزون له (يضطربون) وتنخلع له قلوبهم ، لأن الفسق قد تغلغل فى أفئدتهم ، وصار هجّيراهم وديدنهم.
وأشهر الآراء أن زلزلة خسفت بهم الأرض ، وابتلعتهم فى باطنها وصار مكان قريتهم بحيرة ملحة (البحر الميت).
وبعدئذ بين أن ما حل بهم عبرة لمن اعتبر وادّكر فقال :
(وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي ولقد أبقينا مما فعلنا بهم عبرة بينة ، وعظة زاجرة ، لقوم يستعملون عقولهم فى الاستبصار ، وجعلناها مثلا للآخرين.
ونحو الآية قوله : «وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ؟».
وتقدم أن قلنا آنفا عند ذكر هذه القصة ما أثبته الكشف الحديث فى هذا الموضع.