فاستدعت أم موسى وأحسنت إليها وأعطتها العطاء الجزيل ، ثم سألتها أن تقيم عندها وترضعه فأبت ذلك عليها وقالت إن لى بعلا وأولادا ولا أستطيع المقام عندك ، ولكن إن أحببت أن أرضعه فى بيتي فعلت ، فأجابتها إلى ما طلبت ، وأجرت عليها النفقة والصلات والكسا وجزيل العطايا ورجعت بولدها إلى بيتها راضية مرضية قد أبدلها الله بعد خوفها أمنا وهى موفورة العز والجاه والرزق الواسع ، وقد جاء فى الأثر «مثل الذي يعمل الخير ويحتسب كمثل أم ترضع ولدها وتأخذ أجرها».
وإلى هذا أشار سبحانه بقوله :
(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) أي فرددناه إلى أمه بعد أن التقطه آل فرعون ، لتقرّ عينها بابنها إذ رجع إليها سليما ، ولا تحزن على فراقه إياها.
(وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) أي ولتعلم أنّ وعد الله الذي وعدها حين قال لها :
(إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) حق لامرية فيه ولا خلف ، وقد شاهدت بعضه ، وقاست الباقي عليه.
وبرده إليها تحققت أنه سيكون رسولا ، فربّته على ما ينبغى لمثله من كامل الأخلاق وفاضل الآداب.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) حكم الله فى أفعاله وعواقبها المحمودة فى الدنيا والآخرة ، إذ قد يكون الشيء بغيضا إلى النفوس ظاهرا ، محمود العاقبة آخرا كما قال : «فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً».
وقد حدث هذا فى أمر موسى ، فقد ألقى فى اليم ثم رد إلى أمه مكرّما ثم كان له من الوجاهة فى الدنيا والآخرة ما كان.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ