(أَفَلا تَعْقِلُونَ؟) أي أفلا عقول لكم أيها القوم تتدبرون بها ، فتعرفون الخير من الشر ، وتختارون لأنفسكم خير المنزلتين على شرهما ، وتؤثرون الدائم الذي لا نفاد له على الفاني الذي ينقطع ، ومن أجل هذا أثر عن الشافعي رحمه الله أنه قال : من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صرف ذلك الثلث للمشتغلين بطاعة الله تعالى ـ وكأنه رحمه الله أخذه من هذه الآية.
ثم أكد ترجيح ما عند الله على ما فى الدنيا من زينة بقوله :
(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ؟) أي أفمن وعدناه من خلقنا على طاعته إيانا بالجنة وجزيل نعيمها ، مما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر ، فآمن بما وعدناه وأطاعنا فاستحق أن ننجز له وعدنا فهو لاقيه حتما وصائر إليه ، كمن متعناه الحياة الدنيا ونسى العمل بما وعدنا به أهل الطاعة ، وآثر لذة عاجلة على لذة آجلة لا تنفد ، ثم هو يوم القيامة إذا ورد على الله كان من المحضرين لعذابه ؛ وأليم عقابه؟.
وهذه الآية تبين حال كل كافر متّع فى الدنيا بالعافية والغنى وله فى الآخرة النار ، وحال كل مؤمن صبر على بلاء الدنيا ثقة بوعد الله وله فى الآخرة الجنة.
وخلاصة ذلك ـ أفمن سمع كتاب الله فصدّق به ، وآمن بما وعده الله فيه ، كمن متعناه متاع الحياة الدنيا وقد كفر بالله وآياته ثم هو يوم القيامة من المحضرين لعذابه ـ الجواب الذي لا ثانى له ـ إنهما لا يستويان فى نظر العقل الرجيح؟!.
وتلخيص المعنى : إنهم لما قالوا تركنا الدين للدنيا قيل لهم : لو لم يحصل عقب دنياكم مضرة العقاب لكان العقل يقضى بترجيح منافع الآخرة على منافع الدنيا ، فكيف وبعد هذه اللذة فيها يحصل العقاب الدائم؟.
وجاء الكلام بأسلوب الاستفهام ليكون أبلغ فى الاعتراف بالترجيح.