وخلاصة ذلك ـ إن تبعة غيّهم واقعة عليهم لا علينا ، إذ لم نلجئهم إلى ذلك ، بل كان منا مجرد الوسوسة فحسب ، فإن كان تسويلنا لهم داعيا إلى الكفر ، فقد كان فى مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان ، بما وضع من الأدلة العقلية ، وبعث إليهم من الرسل ، وأنزل إليهم من الكتب المشحونة بالوعد والوعيد والمواعظ والزواجر ، وناهيك بذلك صارفا عن الكفر داعيا إلى الإيمان.
ونحو ذلك قوله حكاية عن الشيطان «إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ» وقوله لإبليس : «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ» فقوله : إلا من اتبعك يدل على أن ذلك الاتباع من قبل أنفسهم ، لا من إلجاء الشيطان إلى ذلك.
ثم زاد الجملة الأولى توكيدا بقوله :
(تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم ومما اختاروه من الكفر والمعاصي اتباعا لهوى أنفسهم ، فلا لوم علينا فى الحقيقة بسببهم.
ونحو الآية قوله : «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ».
ثم ذكر ما هو كالعلة لنفى الشبهة عنهم فقال :
(ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) أي هم ما كانوا يعبدوننا ، وإنما كانوا يعبدون الأوثان بما زيّنت لهم أهواؤهم.
ثم طلب إليهم دعاء الشركاء توبيخا لهم وتهكما بهم فقال :
(وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي وقيل للمشركين بالله الآلهة والأنداد فى الدنيا : ادعوا آلهتكم الذين زعمتم جهلا منكم شركتهم لله ليدفعوا العذاب عنكم ، فدعوهم لفرط الحيرة وغلبة الدهشة ، فلم يجيبوهم عجزا منهم عن الإجابة.