القبور ، وما ذلك بالصعب على رب العالمين ، خالق السموات والأرضين ، وإنا لنعلم ما يقول المشركون فى البعث والنشور ، فدعهم فى غيّهم يعمهون ، فما أنت عليهم بجبار تلزمهم الإيمان بهذا اليوم ، وما فيه من هول ، إن أنت إلا نذير ، ولا يؤمن بك إلا من يخاف عقابى ، وشديد وعيدي ، ولا تنفع العظة إلا ذوى الأحلام الراجحة ، والقلوب الواعية.
الإيضاح
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ؟) أي وكثير من الأمم التي قبلك أهلكناهم وكانوا أشد من قومك بطشا ، وأكثر منهم قوة ، كعاد وثمود وتبّع ، فتقلبوا فى البلاد وسلكوا كل طريق ابتغاء للرزق ، ولم يجدوا لهم من أمر الله مهربا ولا ملجأ حين حمّ القضاء ، وهكذا حالكم ، فحذار أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب العاجل فى الدنيا ، والآجل يوم القيامة.
وبعد أن ذكر فى هذه السورة وما قبلها بارع الحكم ونفائس المعارف الإلهية جملة وتفصيلا ، فمن أدب للأمة مع نبيها ، إلى أدب للأمة بعضها مع بعض ، إلى حفظ للسلام بين الناس والصلح بينهم ، وصيانة اللسان من الهزؤ والسخرية والهمز واللمز ، ثم إلى النظر فى ملكوت السموات والأرض ، وبذا يحل التواصل محل التقاطع ، ويتعلم الجهال ، ويجتمع الشمل ، ويخيم الأمن فى ربوع البلاد ، أبان أن تلك الزواجر لا ينتفع بها إلا ذوو الألباب فقال :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أي إن فيما تقدم لتذكرة وعبرة لمن كان له قلب واع يتدبر به الحقائق ، ويعى ما يقال له.
ثم أعقب ذلك بذكر ما هو كالدليل على ما سلف فقال :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) أي قسما بربك إنا خلقنا السموات والأرض وملأناهما بالعجائب فى ستة أطوار مختلفة