فإن تبرّع المالك بإخراج الصافي عن جملة المغشوشة ، أو إخراج مقدار يحصل به اليقين فذاك ، وإن ضايق في ذلك ، فعن الشيخ أنّه ألزم المالك تصفيتها ، لعدم تحقّق الامتثال إلّا به (١).
وعن الفاضلين الاكتفاء بإخراج ما تيقّن اشتغال الذمّة به ، لأصالة البراءة من الزائد ، ولأنّ الزيادة كالأصل ، فالفرق تحكّم (٢) ، انتهى.
أقول : عدم وجوب تحصيل الشرط في الواجب المشروط ظاهر ، وأمّا عدم وجوب تحصيل المعرفة ؛ فمحلّ نظر ، فإنّه تعالى إذا قال : عليكم أن تحجّوا إذا استطعتم ، فكيف يتأتّى لنا أن نقول : لا ننظر إلى حالنا في كوننا مستطيعين أم لا؟ وبمجرّد ذلك نترك الحجّ ، فإنّ العبارة المذكورة منه تعالى ظاهرة في وجوب الحجّ ، في صورة تحقّق الاستطاعة بحسب الواقع. فإنّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة ، لا للمعاني المعلومة بدارا ، إذ الماء اسم لما هو ماء واقعا ، والأرض كذلك ، وغير ذلك ، لا أنّه اسم لما عرفتم كونه ماء بدارا ، ومن أوّل الأمر.
وكذلك الحال في قوله : إن ملكت النصاب فزكّ ، إذ معلوم أنّ المراد الملك واقعا ، لا المعرفة بكونه ملكا من أوّل الأمر بدارا ، فإذا كنّا مالكين له واقعا ، يكون مخاطبين بوجوب الزكاة ، على قياس ما قلتم في قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) (٣) الآية ، لإثبات اشتراط العدالة في الراوي ، وكما هو الحال في الإناءين المشتبهين ، والثوبين كذلك ، إلى غير ذلك.
نعم ، لو لم يكن طريق أصلا إلى المعرفة ، فلعلّه حينئذ يكون الأمر كما ذكرتم ،
__________________
(١) المبسوط : ١ / ٢١٠.
(٢) المعتبر : ٢ / ٥٢٥ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٩٤ ط. ق.
(٣) الحجرات (٤٩) : ٦.