بل لم يتعرّضوا للاستعمال «في» السببيّة في الكتب المتداولة من تعرّض له ، فلا شكّ في إرادته المجاز ، بل هو مجاز نادر غاية الندرة ، مثل قوله : إنّ امرأة دخلت النار في هرّة (١) ، بل وقيل : إنّه سماعي مقصور على خصوص مورد السماع لا غير.
فمقتضى ذلك ؛ دخول حقّ الفقراء في أموال الأغنياء ، كما فهمه الفقهاء الماهرون ، أهل الفهم الصحيح والطبع السليم.
ولو عرض ذلك على أهل العرف ، فلا شكّ في أنّهم لا يفهمون سواه ، ولا يقيسون اللغة على اللغة ، والاستعمال على الاستعمال ، فلا يقولون : المراد من افعل في موضع كذا هو الإباحة ، لوروده كذلك كثيرا ، بل مع نهاية كثرة ورود العام في الخصوصيّات ، إلى أن تلقّى هو وغيره من الفحول أنّه ما من عام إلّا وقد خصّ.
ومع ذلك ؛ لا تأمّل في البقاء على العموم ، وكذا قولهم : أكثر اللغات مجازات ، مع أنّ الأخبار الواردة إلينا ، لا يكاد يفهم إلّا بمعونة الأخبار الاخر أو غيرها ، مثل الإجماع والقواعد ، ومع ذلك لم تخرج عن الدلالة.
وبالجملة ، لا يمكن في أمثال ما ذكره فهم الدخول الذي هو المعنى الحقيقي ، وفي المقام لا مانع منه يقينا ، بل يكون له مقتضيات كثيرة سوى كون الأصل ، والظاهر هو الدخول ، والمقتضيات هو فهم الفحول ، والإجماع المنقول ، والأخبار الاخر الصحاح أو المعتبرة المفتى بها ، وغيرها ممّا عرفت ممّا أشرنا ، لأنّا لم نذكر جميعها ، بل ولا أكثرها ، وهذا كلّه ، مضافا إلى الأدلّة الاخر والثمرات المسلّمة.
وبالجملة ؛ التأويل بلا داع لا شكّ في فساده ، سيّما مع وجود الموانع عن التأويل ممّا لا يكاد يحصى ، ومنها نهاية كثرة هذه الأخبار ، فالتأويل المذكور في واحد منها غلط فضلا عن الجميع ، مع نهاية الكثرة ، ونهاية كثرة الموانع أيضا.
__________________
(١) مغني اللبيب : ١ / ٢٢٤ ، مجمع البحرين : ١ / ٣٣٤.