عدوت على نفسي فعاد بعفوه |
|
عليّ فعاد العفو منّا على منّ |
فقال المأمون : أحسنت والله يا أمير المؤمنين حقا ؛ فرمى بالعود من حجره ووثب قائما فزعا من هذا الكلام ؛ فقال له المأمون : اقعد واسكن ، فو حياتك ما كان ذلك لشيء تتوهّمه ، وو الله لا رأيت منّي طول أيامي شيئا تكرهه وتغتمّ به.
ثم أمر بكل ما قبض له من الأموال والدّور والعقار والدّوابّ والضّياع ـ يعني أن تردّ عليه ـ وأعاد مرتبته وأمر له في تلك الساعة بعشرة آلاف دينار وانصرف مكرما مخلوعا عليه على خيل [و](١) رجل أمير المؤمنين ، واشتهر في الخاصّة والعامّة عفو أمير المؤمنين عن عمّه ، فحسن موقع ذلك منهم ، واستوسقوا على الطّاعة والموالاة والشّكر والدّعاء.
فقيل لثمامة : أي شيء كان جرمه؟ قال بويع له بالخلافة بعد محمد بن هارون ، والمأمون بخراسان ، فلما دخل المأمون اختفى وأهدر المأمون دمه ، ونادى عليه فجاء من غير أن يجيء به أحد ، فأمكن من نفسه ، فحبسه ستة أشهر ، وأخرجه ، وعفا عنه.
أنبأنا أبو سعد بن الطّيّوري ، عن أبي عبد الله الصّوري.
ثم حدثني أبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري ، أنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبّار ، نا أبو عبد الله محمد بن علي الصّوري ـ لفظا ـ قال : قرأت على أبي الحسن عبيد الله بن القاسم بن علي القاضي ، نا أبو الحسن محمد بن أحمد بن طالب البغدادي ، نا أبو علي الكوكبي ، نا أحمد بن عبيد (٢) ـ أبو عصيدة ـ نا الفضل بن العباس الهاشمي ، قال بعث المأمون إلى إبراهيم عمّه ـ بعد ما حبسه ـ رجلا يثق به ، فقال : تعرف ما يعمل عمي وما يقول ، قال : ففعل ، ثم رجع إليه فقال : رأيته يبكي وقد وضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يتغنّى :
فلو أنّ خدّا من وكوف مدامع |
|
يرى معشبا لا خضر خدّي فأعشبا |
كأن ربيع الزّهر بين مدامعي |
|
بما انهلّ منها من حيا وتصبّبا |
ولو أنني لم أبك إلّا مودّعا |
|
بقيّة نفس ودّعتني لتذهبا |
__________________
(١) زيادة لازمة.
(٢) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٣ / ١٩٣ (١١٠).