الفن الذي ابتدأت فيه فقلت : بقي عليك يا جارية [شيء](١) ، فضربت بعودها الأرض ، وقالت : متى كنتم تحضرون مجالسكم البغضاء؟ فندمت على ما كان مني ، ورأيت القوم كأنهم قد تغيروا بي ، فقلت : ليس ثمّ عود؟ فقالوا : بلى والله يا سيدنا ، فأتينا بعود فأصلحت من شأني ما أردت ثم اندفعت أغني :
ما للمنازل لا يجبن حزينا |
|
أصممن أم قدم المدي فبلينا |
روحوا (٢) العشيّة روحة مذكورة |
|
إن متن متن وإن حيين حيينا |
فما استتممته ـ يا أمير المؤمنين ـ حتى خرجت الجارية فأكبّت على رجلي فقبّلتها ، وتقول : معذرة يا سيدي والله ما سمعت من يغنّي هذا الصوت مثلك أحد ، وقام مولاها وجميع من كان حاضرا فصنعوا كصنيعها ، وطرب القوم ، واستحثوا الشراب فشربوا بالكاسات والطاسات ثم اندفعت أغني :
أفي الله إن تمشين لا تذكرينني |
|
وقد سمحت (٣) عيناي من ذكرك الدّما |
إلى الله أشكو بخلها وسماحتي |
|
لها عسل منّي وتبذل علقما |
فردّي مصاب القلب أنت قتلته |
|
ولا تتركيه ذاهب العقل مضرما (٤) |
إلى الله أشكو أنها أجنبيّة |
|
وأنّي بها ما عشت بالودّ مغرما (٥) |
فجاءنا من طرب القوم ـ يا أمير المؤمنين ـ شيء خشيت أن يخرجوا من عقولهم ، فأمسكت ساعة حتى هدأوا مما كانوا فيه من الطرب ، ثم اندفعت أتغنّى بالصوت الثالث :
هذا محبّك مطويّ على كمده |
|
حرّى (٦) ، مدامعه تجري على جسده |
له يد تسأل الرّحمن راحته |
|
مما به ، ويد أخرى على كمده |
يا من (٧) رأى أسفا مستهترا دنفا |
|
كانت منيّته في عينه ويده |
__________________
(١) الزيادة عن المسعودي.
(٢) المسعودي : راحوا.
(٣) مروج الذهب ٤ / ١٤ سجمت.
(٤) مروج الذهب : مغرما.
(٥) مروج الذهب : مكرما.
(٦) مروج الذهب : صبّ.
(٧) مروج الذهب :
يا من رأى كلفا مستهترا أسفا