الليل (١) ، فدخلت ومخارق وعلّوية ، والمعتصم بين يديه ثلاث جامات : جام فضّة مملوءة دنانير جددا (٢) ، وجام ذهب مملوءة دراهم ، وجام قوارير مملوءة عبيرا (٣). فظننّا أنه لنا ، بل لم نشكّ في ذلك ، فغنّيناه وأجهدنا أنفسنا فلم يطرب ولم يتحرك لشيء من غنائنا ، ودخل الحاجب فقال إبراهيم بن المهدي ، فأذن له ، فدخل فلما أخذ مجلسه غنّاه أصواتا أحسن فيها ، ثم غنّاه بصورت من صنعته بشعره فقال :
ما بال شمس أبي الخطّاب قد حجبت (٤) |
|
يا صاحبيّ لعل الساعة اقتربت |
أشكو إليك أبا الخطّاب جارية |
|
عزيزة (٥) بفؤادي اليوم قد لعبت |
فاستحسنه المعتصم وطرب له وقال : أحسنت والله يا عمّ ، فقال إبراهيم : فإن كنت أحسنت فهب لي إحدى هذه الجامات ، فقال : خذ أيها شئت ، فأخذ التي فيها الدنانير ، ونظر بعضنا إلى بعض ساعة لأنا رجونا أن نأخذهنّ ، وغنّاه بشعر له بعد ساعة (٦) :
فما قهوة مرّة قرقف |
|
شمول تروق براووقها |
بكفّ أغنّ خضيب البنا |
|
ن يخطر بين أباريقها |
مريض الجفون نبيل العيون |
|
ترمي ما مكّن تفويقها |
بأطيب من فمها نكهة |
|
إذا امتصّت الشّهد من ريقها |
فقال المعتصم : أحسنت والله يا عمّ وسررت ، قال : يا أمير المؤمنين ، فإن كنت أحسنت فهب لي جاما أخرى ، فقال : خذ أيهما شئت فأخذ الذهب التي فيها الدّراهم ، فأيسنا نحن ، وغنّى بعد ساعة :
ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى |
|
عشير الّذي ألقى فيلتئم الحبّ |
إذا رضيت لم يهنني ذلك الرضا |
|
لعلمي به أنه سوف يدركه عتب |
__________________
(١) الأغاني : «قصر التل» وبالحاشية عن نسخ أخرى : قصر الليل.
(٢) عن الأغاني وبالأصل «جدد».
(٣) الأغاني : عنبرا.
(٤) الأغاني ١٠ / ١١٤ و ١١٥ قد غربت يا صاحبي أظن الساعة اقتربت.
(٥) الأغاني : غريرة.
(٦) البيت الأول في الأغاني ١٠ / ١١٤ و ١١٥.