فارتجّ المجلس وطرب المعتصم واستخفه الطرب وقام على رجليه ثم جلس وقال : أحسنت والله يا عمّ ما شئت ، قال إبراهيم : فإن كنت أحسنت فهب لي الجام الثالثة ؛ قال : خذها ، ونام أمير المؤمنين فدعا إبراهيم بمنديل فثناه عطفتين ووضع الجامات فيه وشدّه ، ودعا بطين فختمه ودفعه إلى غلامه ، ونهضنا للانصراف ، فلما ركب التفت إليّ فقال : يا محمد زعمت أني وجاريتي لا نحسن شيئا ، فكيف رأيت ثمرة الإحسان ونموه؟
قال : وقال محمد بن الحارث بن بُسخُنَّر صرت إلى إبراهيم بن المهدي فرأيته مغموما ، فقلت : مالي أراك ـ يعني ـ مغموما؟ قال : ويحك ، دعني ، قلت : والله لا أدعك أو أعرف خبرك ، قال : كنت عند الرشيد ، فسألني أن أسمع سليمان بن أبي جعفر صوتا ولم يكن سمع غناي غير الرشيد فتمنّعت ، فدعا لي بألف درهم فغنّيته صوتا ثم قال لي ليلة أخرى جعفر بن يحيى صديقك ولا تحتشم منه ، وأنا أحبّ أن تغنّيه صوتا ، فقلت : إني أحتشمه في الغناء ، فحلّفني بحياته ودعا لي بألف درهم فغنّيته ، وكنا البارحة عند المعتصم فقال لي سيما الشارباني اشتهى ذاك الصوت ، قلت : إنما قال ذاك ، قلت ما أدري ما يريد قال : فغنّ كلما تحسن حتى إذا مر بي عرفتك فورد عليّ ما لم أقدر أن يرد عليّ مثله ، فأي غمّ يكون أشد من هذا؟
قال ، ونا محمد بن يحيى ، نا أحمد بن عبد الجبار السّامري ، حدثني إسماعيل بن عبد الله قال : قال إبراهيم الموصلي : أرسلت أسماء بنت المهدي إلى أخيها إبراهيم بن المهدي فقالت : أشتهي ـ والله ـ أن أسمع من غناك ، قال إذا ـ والله ـ لا تسمعي مثله ، وعليه وعليه ، وغلّظ في اليمين ، إن لم يكن إبليس ظهر لي وعلّمني النّقر والنّغم ، وصافحني وقال : اذهب فأنت منّي وأنا منك.
قرأت على أبي القاسم الشّحّامي عن أبي بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا محمد الهاشمي ـ وهو عبد الرّحمن بن محمد بن جعفر الجرجاني ـ يقول : سمعت يحيى بن عبيد الله الجرجاني يقول : سمعت محمد بن يزيد المبرّد يقول : سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول : انصرفت ليلة من عند المأمون مع إبراهيم بن المهدي فأنشأ يقول :
وما زلت مذ أيفعت أسعى مراهقا |
|
إلى الغرض الأقصى أزور المعاليا |