غير هذه الرواية ، فقلت له : من أين لك هذه الكسوة؟ فقال : يأتيني هذا الطائر ـ يوم عاشوراء بعشر قطع من هذا اللحاء ، فأسوي منه قميصا ومئزرا ـ ورجع إلى الرواية ـ وكان له مسلّة يخيط بها.
فلما كان بعد ليال دخل علينا سبعة أنفس ، ثيابهم شعورهم ، وعيونهم مشقّقة بالطول ، حمر ، وليس فيها دوّارة فسلموا ، فقال لي : لا تخف هؤلاء الجن ، فقرأ واحد منهم عليه سورة «طه» والآخر سورة «الفرقان» وتلقّن منهم الآخر شيئا من سورة «الرّحمن» ، ثم مضوا فسألته عنهم فقال : جاء هؤلاء من الرومية ، فقلت له : كم لك في هذا الجبل؟ فقال : أربعين سنة ، كان لي عشر سنين البصر ، وكنت أجمع في الصيف من هذه المباحات إلى هذا الكهف ، فلما ذهب بصري بقيت أياما لم أذق شيئا ، فجاءني هؤلاء فقالوا : قد رحمناك فدعنا نحملك إلى حمص أو دمشق ، فقلت : اشتغلوا بما وكّلتم به ، فلمّا كان بعد ساعة جاءني هذا الطير الذي رأيت بتفاحة فطرحها في حجري ، فقلت : لا تشغلني اطرحها إلى وقت حاجتي إليها.
ثم قال لي : وقد قال هؤلاء : إن القرمطي دخل مكة وقتل فيها وفعل وصنع ، فقلت : قد كان ذاك ، وقد كثر الدعاء عليه فلم منع الإجابة؟ فقال : لأن فيهم عشر خصال ، فكيف يستجاب لهم؟
فقلت : وما هن؟ قال : أوله : أقروا بالله وتركوا أمره ، والثاني : قالوا : نحب الرسول ولم يتّبعوا سنّته ، والثالث : قرءوا القرآن ولم يعملوا به ، والرابع : قالوا : نحبّ الجنة وتركوا طريقها ، والخامس : قالوا نكره النار وزاحموا طريقها ، والسادس : قالوا : إن إبليس عدونا فوافقوه ، والسابع : دفنوا أمواتهم فلم يعتبروا ، والثامن : اشتغلوا بعيوب إخوانهم ونسوا عيوبهم ، والتاسع : جمعوا المال ونسوا الحساب ، والعاشر : نقضوا القبور وبنوا القصور.
قال أبو عبد الله : فأقمت عنده أربعة وعشرين يوما في أطيب عيشة ، فلما كان اليوم الرابع والعشرون قال لي : كيف وصلت إلى هاهنا؟ فحدثته بحديثي ، فقال : إنّا لله لو علمت قصّتك لم أتركك عندي لأنك شغلت قلوبهم ، ورجوعك إليهم أفضل لك ممّا أنت فيه ، فقلت له : إني لا أعرف الطريق ، فسكت.