أذّن وصلّينا العصر ، ثم قام قائما يدعو رافعا يديه ، فسمعت من دعائه : اللهمّ أصلح أمّة أحمد ، اللهمّ فرّج عن أمة أحمد ، اللهم ارحم أمّة أحمد ، إلى أن سقط القرص ، ثم أذّن للمغرب ـ ولم أر أحدا أعرف بأوقات الصلاة منه ـ فلمّا أن صلّى المغرب ، قلت له : لم أسمع منك من الدعاء إلّا هذه الكلمات الثلاث ، فقال : من قال هذا كل يوم ثلاث مرّات كتبه الله من الأبدال.
فلما أن صلينا العشاء الآخرة قال لي : تأكل؟ فقلت : نعم ، فقال لي : ادخل إلى الداخل فكل ما هنالك ، فدخلت فوجدت صخرة عظيمة عليها الجوز ناحية ، والفستق ناحية ، والزبيب ناحية ، والتين ناحية ، والتفاح ناحية ، والخرنوب ناحية ، والحبّة الخضراء (١) ناحية ، فأكلت منها ما أردت.
فلما كان عند السحر جاء هو فأكل منها شيئا يسيرا ، ثم قام فأوتر ، فما زال يدعو ، ثم سجد فسمعته في سجوده يقول : اللهم منّ عليّ بإقبالي عليك ، وإضعافي إليك ، وإنصاتي لك ، والفهم منك ، والبصيرة في أمرك ، والبقاء في خدمتك ، وحسن الأدب في معاملتك.
فلمّا رفع رأسه قلت : من أين لك هذا الدعاء؟ فقال : ألهمت ولقد كنت في بعض الليالي أدعو به ، سمعت هاتفا يهتف بي ويقول : إذا دعوت ربك بهذا فقم ، فإنه مستجاب ، فلمّا أن صلّينا قلت : من أين هذه الفواكه فإني لم آكل شيئا أطيب منها ، فقال : سوف ترى فلمّا كان بعد ساعة دخل الكهف طير له جناحان أبيضان وصدر أخضر وفي منقاره حبة زبيب ، وبين رجليه جوزة ، فوضع الزبيبة على الزبيب ، والجوزة على الجوز ؛ فقال لي : رأيته؟ فقلت : نعم ، قال هذا لي منذ ثلاثين سنة يأتيني هذا ويدخل عليّ في اليوم سبع مرات.
فلما كان ذلك اليوم عددت مجيء الطائر فجاء خمس عشرة مرة ، فقلت له ذلك فقال : انظر أنت فقد زادك واحدة فاجعلنا في حلّ. وكان عليه قميص بلا كمين ومئزر يشبه توز (٢) القوس ، فقلت له : من أين لك هذا؟ قال : يأتيني كل سنة هذا الطير ـ وفي
__________________
(١) الحبة الخضراء : البطم (القاموس).
(٢) التوز : الأصل (القاموس).