قرأت على أبي القاسم الشحامي ، عن أبي بكر البيهقي ، قال : سمعت أبا عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول (١) : كنت اختلف إلى الصاغة وفي جوارنا بباب معمر فقيه كرّاميّ (٢) يعرف بالولي ، فكنت اختلف إليه بالغدوات وآخذ عنه الشيء بعد الشيء من مسائل الفقه ، فقال لي أبو الحسن الشافعي : يا أبا علي لا تضيع أيامك ، ما تصنع بالاختلاف إلى الولي وبنيسابور من العلماء والأئمة عدة ، فقلت : إلى من أختلف؟ قال : إلى إبراهيم بن أبي طالب ، فأول ما اختلفت في طلب العلم إلى إبراهيم بن أبي طالب سنة أربع وتسعين ومائتين ، فلما رأيت شمائله وسمته ، وحسن مذاكرته للحديث ، حلا في قلبي فكنت أختلف إليه وأكتب عنه الأمالي ، فحدّث يوما عن محمّد بن يحيى ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، فقال [لي] بعض أصحابنا : لم لا تخرج إلى هراة فإنّ بها شيخا ثقة يحدث عن إسماعيل بن أبي أويس ، فوقع ذلك في قلبي ، فخرجت إلى هراة وذلك في سنة خمس وتسعين ومائتين. قال : وسمعت أبا علي الحافظ يقول : استأذنت أبا بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة في الخروج إلى العراق سنة ثلاث وثلاثمائة ، فقال : توحشنا مفارقتك يا أبا علي ، وقد رحلت وأدركت الأسانيد العالية ، وتقدّمت في حفظ الحديث ، ولنا فيك فائدة وأنس ، فلو أقمت؟ فما زلت به حتى أذن لي فخرجت إلى الريّ [و] بها علي بن الحسن بن سلم الأصبهاني ، وكان من أحفظ (٣) مشايخنا وأثبتهم وأكثرهم فائدة ، فأفادني عن إبراهيم بن يوسف الهسنجاني (٤) وغيره من مشايخ الري ما لم أكن اهتدى أنا إليه ، ودخلت بغداد وجعفر الفريابي حيّ ، وقد أمسك عن التحديث ودخلت عليه غير مرة وبكيت بين يديه ، وكنا ننظر إليه حسرة (٥) ومات وأنا ببغداد سنة أربع وثلاثمائة ، وصليت على جنازته. قال الحاكم : انصرف أبو علي من مصر إلى بيت المقدس ، ثم حج حجة أخرى ،
__________________
(١) الخبر نقله ابن العديم في بغية الطلب ٦ / ٢٧١٦ ـ ٢٧١٧ وباختصار في سير الأعلام ١٦ / ٥٤.
(٢) كرامي بفتح الكامل والراء المشددة ، هذه النسبة إلى محمد بن كرّام أبي عبد الله السجستاني ، صاحب الفرقة الكرّامية (انظر الفرق بين الفرق ـ والملل والنحل).
(٣) بالأصل : «حفظ» والمثبت عن ابن العديم وم.
(٤) رسمها مضطرب ، «السنجاني» كذا ، والمثبت عن ابن العديم وم.
(٥) تقرأ بالأصل «حسدة» والصواب ما أثبت ، عن ابن العديم.