حصين بن نمير فقال له : يا بردعة (١) الحمار ، لو لا عهد أمير المؤمنين إليّ فيك ما عهدت إليك ، اسمع عهدي لا تمكن قريشا من أذنك ، ولا تزدهم على ثلاث : الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف (٢) ، وأعلم الناس أن الحصين واليهم. ومات مكانه (٣) فدفن على ظهر المشلل (٤) لسبع ليال بقين من المحرم سنة أربع وستين ومضى حصين بن نمير في أصحابه حتى قدم مكة ، فنزل بالحجون (٥) إلى بئر ميمون ، وعسكر هناك. فكان يحاصر ابن الزبير ، فكان الحصر أربعة وستين يوما يتقاتلون فيها أشد القتال ، ونصب الحصين المنجنيق على ابن الزبير وأصحابه ورمى الكعبة ، ولقد قتل من الفريقين بشر كثير ، وأصاب المسور فلقة من حجر المنجنيق ، فمات ليلة جاء ـ نعي يزيد بن معاوية ، وذلك لهلال شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين.
فكلّم حصين بن نمير ومن معه من أهل الشام عبد الله بن الزبير أن يدعهم يطوفوا بالبيت وينصرفوا عنه ، فشاور في ذلك أصحابه ، ثم أذن لهم فطافوا وكلّم ابن الزبير الحصين بن نمير ، وقال له : قد مات يزيد وأنا أحقّ الناس بهذا الأمر لأن عثمان عهد إليّ في ذلك عهدا صلّى به خلفي طلحة والزبير وعرفته أم المؤمنين ، فبايعني وادخل فيما يدخل فيه (٦) الناس معي يكن لك ما لهم وعليك ما عليهم ، فقال له الحصين بن نمير : أي والله يا أبا بكر لا أتقرب إليك بغير ما في نفسي ، أقدم الشام فإن وجدتهم مجتمعين لك أطعتك وقاتلت من عصاك ، وإن وجدتهم مجتمعين على غيرك أطعته وقاتلتك.
ولكن سر معي أنت إلى الشام أملكك رقاب العرب ، فقال ابن الزبير أوأبعث رسولا ، قال تبّا لك سائر اليوم إن رسولك لا يكون مثلك ، وافترقا وأمن الناس ووضعت الحرب أوزارها وأقام أهل الشام أياما يبتاعون حوائجهم ويتجهزون ثم انصرفوا راجعين إلى
__________________
(١) في ابن العديم والامامة والسياسة : «برذعة.» والبردعة الحلس يلقى تحت الرحل (القاموس).
(٢) الوقاف يعني الوقوف في حرب أو خصومة.
والثقاف : الخصام والجلاد.
ومثله في العقد الفريد ٤ / ٣٩١ وفي الامامة والسياسة : الوفاق ثم النفاق ثم الانصراف.
(٣) في الأخبار الطوال ص ٢٦٧ وكانت علته الذبحة.
(٤) وقيل مات بالأبواء (على ثلاثة وعشرين ميلا مما يلي المدينة) وقيل بالقديد (قاله المسعودي في مروج الذهب ٣ / ٨٥) وقيل : بثنية هرشي.
(٥) الحجون : جبل بمعلاة مكة. (معجم البلدان).
(٦) سقطت من الأصل واستدركت عن هامشه.