وحلّه أن يقال : انه محتمل من حيث توهم المخاطب ، إذ ربّما تقول : ضربت ، مثلا ، وقد فعلت غير الضرب مما يجري مجراه ، كالتهديد والشروع في مقدّمات الضرب ، فتقول : ضربت ضربا لرفع ذلك التوهم ، كما أنك إذا قلت : جاءني زيد ، جاز أن يتوهمّ أنه جاءك من يجري مجراه ، فقلت جاءني زيد زيد ، لرفع هذا التوهم ، فلما كان قولك ضربت ، محتملا للضرب وغيره من حيث التوهم ، صار المستثنى منه في : ما ضربت إلا ضربا ، كالمتعدد الشامل للضرب وغيره من حيث التوهم ، فكأنك قلت : ما فعلت شيئا إلا الضرب ، قال :
٢٢٠ ـ أحلّ له الشيب أثقاله |
|
وما اغترّه الشيب إلا اغترارا (١) |
قال ابن يعيش (٢) : هذا الكلام محمول على التقديم والتأخير ، أي : إن نحن إلا نظن ظنا ، وما اغترّه إلا الشيب اغترارا ؛ وهو تكلف ؛
وأمّا الاستثناء في التوابع ، ففي البدل نحو : ما جاءني أحد إلا زيد ، لكنه غير مفرّغ ، وكلامنا في المفرغ ، ولا منع من كون سائر أنواع البدل مفرغة نحو : ما سلب زيد إلّا ثوبه ، في بدل الاشتمال ، وما ضرب زيد إلا رأسه في بدل البعض ، أي : ما سلب زيد شيء منه إلا ثوبه ، ولا ضرب زيد عضو منه إلا رأسه ؛ وعطف النسق لم يجيئ فيه لما تقدم (٣) ، وكذا عطف البيان والتأكيد ، وذلك لأن عطف البيان لو جاء ، لكان مستثنى من مقدّر متعدد ، هو أيضا عطف بيان ، وكونه متعدّدا مخالف لكونه عطف بيان ، لأنه إمّا علم ، أو مختصّ مثله ، وكذا التأكيد ، لأنه لم توضع ألفاظ عامة شاملة لألفاظ التوكيد نحو عينه ونفسه ، وكلّه ، وكلاهما ؛ ولغيرها حتى نقدرها ونخرج ألفاظ التوكيد منها ؛
__________________
(١) هذا من قصيدة الأعشى التي منها قوله :
تقول ابنتي حين جدّ الرحيل |
|
أبرحت ربّا وأبرحت جارا |
وهو الشاهد المتقدم في باب التمييز ،
(٢) الإمام موفق الدين ، يعيش بن علي بن يعيش شارح المفصل للزمخشري ، وهو من أبرز علماء القرن السابع ، قريب العهد بالرضي ، ونقل عنه كثيرا ، كما نقل عن بعض معاصريه مثل ابن مالك ، وغيره ،
(٣) إشارة إلى ما ذكره قبل قليل في عدم التفريغ في المفعول معه ؛