وإنما لم يحتج إلى هذا العذر المذكور ، لما بيّنا أن حركة «غير» لما بعدها على الحقيقة ، وهي عليها عاريّة ، فكأنّ «غير» هي الواسطة لانتصاب ما بعدها في الحقيقة ، والدليل على أن الحركة لما بعدها حقيقة : جواز العطف على محله ، نحو : ما جاءني غير زيد وعمّرو ، بالرفع عطفا على محل زيد ، لأن المعنى : ما جاءني إلا زيد ؛
قال الفراء : يجوز أن يبنى «غير» في الاستثناء مطلقا ، سواء أضيف إلى معرب أو مبنيّ ؛ لكونه بمعنى الحرف ، يعني «إلّا» ،
ومنعه البصريون ، لأن ذلك فيه عارض غير لازم فلا اعتبار به ، وأمّا إذا أضيف إلى «أن» ، فلا خلاف في جواز بنائه على الفتح كما في قوله :
٢٢٨ ـ لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت |
|
حمامة في غصون ذات أو قال (١) |
كما يجيئ في باب الإضافة ، ويجوز أن يكون نحو قوله :
٢٢٩ ـ غير أني قد أستعين على الهم |
|
مّ إذا خفّ بالثوي النجاء (٢) |
من هذا الباب ، أي مبنيا على الفتح ، لاضافته إلى «أنّ» ، كما في قوله تعالى : (مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)(٣) ، ويجوز أن يكون منصوبا لكونه استثناء منقطعا ؛
وقولهم بيد ، مثل غير ، ولا تجيئ إلا في المنطقع مضافة إلى «أنّ» وصلتها ، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : «أنا أفصح العرب ، بيد أني من قريش» (٤) ، ويجوز أن يقال ببنائها لاضافتها إلى «أنّ» وأن يقال هي منصوبة لكونها في الاستثناء المنقطع ؛
__________________
(١) من قصيدة لأبي قيس بن الأسلت ، وهو في وصف الناقة ، والضمير في قوله منها يعود إلى الناقة حيث يقول قبل ذلك :
ثم ارعويت وقد طال الوقوف بنا |
|
فيها ، فصرت إلى وجناء شملال |
والأوقال في بيت الشاهد. جمع وقل ، وهو شجر الدوم أو ثمره ؛
(٢) هذا أحد أبيات معلقة الحارث بن حلّزة اليشكري ، ويرتبط به قوله بعده :
بزقوف كأنها هقلة أم |
|
م رئال دويّة سقفاء |
(٣) الآية ٢٣ سورة الذاريات ،
(٤) قال ابن هشام في مغني اللبيب في الكلام على «بيد» ، إنها تكون بمعنى من أجل ، واستشهد بالحديث ، ويتغير المعنى على الوجهين ؛