أن يحمل انتصاب مثل هذا على التمييز ، كما في قولك : لي مثله رجلا ، وملؤه عسلا ؛
وأمّا قول جرير :
٢٥٨ ـ يا صاحبيّ دنا الرواح فسيرا |
|
لا كالعشية زائرا ومزورا (١) |
فقيل : انتصاب «زائرا» بتقدير فعل ، أي : لا أرى كعشية اليوم ، أي كزائر عشية اليوم زائرا ، كما تقول : ما رأيت كاليوم رجلا ، وذلك أن العشية ليست بالزائر حتى يكون عطف بيان لها ؛
وأقول : مع تقدير : كزائر عشية اليوم زائرا ، صار الآخر هو الأصل الأول ، كما في قولك : لا كالعشية عشية وعشية ، فيجوز أن يكون «زائرا» تابعا على اللفظ ؛
وأمّا التأكيد فلا يجوز تأكيد المنفي المبني تأكيدا معنويا ، لأن المنكّر لا يؤكد ذلك التأكيد ، كما يجيئ في باب التأكيد ؛ وإن كان لفظيا فالأولى ، كما ذكرناه في المنادى : كونه على لفظ المؤكّد مجردا عن التنوين ، وجاز الرفع والنصب ، كما ذكرناه هناك ؛
وإن كرّرت مبنى «لا» بلا فصل بين الاسم وذلك المكرر ، ثم وصفت الثاني ، نحو : لا ماء ماء باردا ، فإن شئت بنيت الثاني ، نظرا إلى كونه تكريرا لفظيا ، وإن شئت أعربته رفعا ونصبا ، وذلك لأنك لمّا وصفته صار مع وصفه ، كأنه وصف للأول ، كالحال الموطئة في نحو قوله تعالى : (إنا أنزلناه قرآناً عربياً) (٢) ، فالإعراب في المكرر الموصوف أولى ، نظرا إلى كونه كالصفة ، من (٣) الإعراب في المكرر غير الموصوف ، وأمّا وصف المكرر ، أعني «باردا» فليس فيه إلّا الإعراب ؛
__________________
(١) من قصيدة لجرير يهجو الأخطل ، مطلعها :
صرم الخليل تباينا وبكورا |
|
وحسبت بينهم عليك يسيرا |
وفيها بيت من شواهد سيبويه ج ١ ص ٨١ وهو :
مشق الهواجر لحمهنّ مع الشرى |
|
حتى ذهبن كلا كلا وصدورا |
(٢) الآية الثانية من سورة يوسف
(٣) متعلق بقوله : أولى ،