بشيء على شيء ، يجب أن يكون مجهولا عند المخاطب إذ لو كان معلوما ، لوقع الكلام لغوا ، نحو : السماء فوقنا ، والأرض تحتنا ؛
وليس بشيء ، لأن معنى التنكير ، ليس كون الشيء مجهولا (١) ، بل معناه في اصطلاحهم : ما ذكرت الآن (٢) ، أعني كون الذات غير مشار بها إلى خارج إشارة وضعيّة ؛ ولو سلّمنا أيضا ، أن كون الشيء مجهولا ، وكونه نكرة بمعنى واحد ، قلنا : إن ذلك المجهول المنكّر ، ليس نفس الخبر ، والصفة ، حتى يجب كونهما نكرتين ، بل : المجهول انتساب ما تضمنه الخبر والصفة مضافا إلى المحكوم عليه ، كعلم زيد ، في جاءني زيد العالم ، و: زيد هو العالم ؛ وكذا زيديّة (٣) المتكلم هي المجهولة في : أنا زيد ؛ فلا يلزم من تنكير المضمون : تنكير المتضمّن الذي هو نفس الخبر والصفة ، ولو لزم ذلك ، لزم تنكير كل خبر وكل نعت ، لأنهما حكمان ، فكان يلزم بطلان نحو : جاءني زيد العالم ، و: أنا زيد ، وجواز هذا مقطوع به ؛
وإنما وجب في الجملة التي هي صفة ، أو صلة ، كونها خبرية ، لأنك إنما تجيء بالصفة والصلة ، لتعرّف المخاطب بالموصوف والموصول المبهمين ، بما كان المخاطب يعرفه قبل ذكرك الموصوف والموصول ، من اتصافهما بمضمون الصفة والصلة ، فلا يجوز ، إذن ، إلّا أن تكون الصفة والصلة جملتين متضمنتين للحكم المعلوم عند المخاطب حصوله قبل ذكر تلك الجملة ، وهذه هي الخبرية ، لأن غير الخبريّة إمّا إنشائية نحو : بعت ، وطلّقت ، وأنت حرّ ، ونحوها ، وإمّا طلبية كالأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض ، ولا يعرف المخاطب حصول مضمونهما إلا بعد ذكرهما (٤) ؛
ولمّا لم يكن خبر المبتدأ معرّفا للمبتدأ ، ولا مخصّصا له ، جاز كونه إنشائية ، كما مرّ في بابه ؛
__________________
(١) عبارة قلقة ، وحقها أن تكون : لأنه ليس معنى التنكير كون الشيء مجهولا.
(٢) هو ما ذكره في مقدمة الفصل ،
(٣) أي كون المتكلم مسمّى بزيد
(٤) التثنية راجعة إلى النوعين اللذين ذكرهما وهما : الإنشائية ، والطلبية ،