ومع الفصل قد يؤكد بالمنفصل ، كقوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ)(١) ، و: (ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا)(٢) ، وقد لا يؤكد (٣) ، والأمران متساويان. فلذا قال : ويجوز تركه ، وإنما جاز الترك لأن طول الكلام قد يغني عمّا هو الواجب ، فيحذف طلبا للاختصار ، نحو قولك : حضر القاضي امرأة ، و:
الحافظو عورة العشيرة (٤) ... ٢٨٩
بالنصب ، فكيف لا يغني عما ليس بواجب بل هو الأولى ؛ وذلك أن مذهب البصريين أن التأكيد بالمنفصل هو أولى ، ويجوّزون العطف بلا تأكيد ولا فصل ، لكن على قبح ، لا أنهم حظروه أصلا بحيث لا يجوز أن يرتكب ؛
وأمّا الكوفيون فيجوزون العطف المذكور بلا تأكيد ولا فصل من غير استقباح ؛
قوله : «وإذا عطف على المضمر المجرور أعيد الخافض» ، إنما لزم ذلك ، لأن اتصال الضمير المجرور بجارّه ، أشدّ من اتصال الفاعل المتصل ، لأن الفاعل إن لم يكن ضميرا متصلا جاز انفصاله ، والمجرور لا ينفصل من جارّه سواء كان ضميرا أو ظاهرا ، فكره العطف عليه ، إذ يكون كالعطف على بعض حروف الكلمة ، فمن ثمّ ، لم يجز ، إذا عطفت المضمر على المجرور ، إلا إعادة الجارّ أيضا ، نحو : مررت بزيد وبك ، والمال بين زيد وبينك ، وليس للمجرور ضمير منفصل ، كما يجيئ في المضمرات ، حتى يؤكد به أوّلا ثم يعطف عليه ، كما عمل في المرفوع المتصل ، فلم يبق إلّا إعادة العامل الأوّل ، سواء كان اسما ، نحو : المال بيني وبين زيد ، أو حرفا نحو : مررت بك وبزيد ؛
ولا يعاد العامل الاسميّ إلّا إذا لم يشك أنه لم يجلب (٥) إلا لهذا الغرض ، وأنه لا معنى
__________________
(١) الآية ٩٤ سورة الشعراء ،
(٢) الآية ٣٥ سورة النحل ،
(٣) أشرنا غير مرة إلى ضعف هذا التعبير ،
(٤) الشاهد المتقدم وبقيته : لا يأتيهم من ورائها وكف ؛
(٥) يعني أنه لا يعاد الخافض إلا في حالة التأكد من أن الغرض من اجتلابه مع الثاني هو تصحيح العطف فقط وأنه غير مفيد لمعنى جديد ؛