بالمرفوع خلاف القياس ، وإعادة الجار أقرب وأخفّ ؛
فإن قيل (١) : كيف جاز تأكيد المرفوع المتصل في نحو : جاءوني كلهم ، والابدال منه ، نحو : أعجبتني جمالك ، من غير شرط تقدم التأكيد بالمنفصل ، وجاز أيضا ، أعجبت بك جمالك من غير إعادة الجارّ ؛ ولم يجز العطف في الأول إلّا بعد التأكيد بالمنفصل ، وفي الثاني إلّا مع إعادة الجارّ؟ ؛
فالجواب أن التأكيد والبدل ليسا بأجنبيّين منفصلين عن متبوعهما ، لا لفظا ولا معنى ، أمّا معنى فلأن البدل ، في الأغلب : إمّا كل المتبوع أو بعضه أو متعلّقه ، والغلط قليل نادر ؛ والتأكيد عين المؤكد ؛ وأمّا اللفظ فلأنه لا يفصل بينهما وبين متبوعهما بحرف كما في عطف النسق فلم ينكر جري ما هو كالجزء من متبوعه على ما هو كالجزء من عامله ، لتوافق التابع والمتبوع من حيث كون كل واحد منهما كالجزء مما قبله ، ومتصل به ؛ وأمّا عطف النسق فمنفصل عن متبوعه لفظا بحرف العطف ومعنى من حيث إن المعطوف ، في الأغلب ، غير المعطوف عليه ، فأنكر جري ما هو مستقل وكالأجني من متبوعه ، على ما هو كالجزء مما قبله لتخالف التابع والمتبوع ؛
فإن قلت : فهلّا طردوا الحكم على هذا الوجه في جميع التواكيد ، إذ كلها متصلة بمتبوعاتها كما قلت ، ولم أفردوا النفس والعين بتأكيد متبوعهما الذي هو مرفوع متصل ، أوّلا بالمنفصل ، قبل التأكيد ؛
قلت : ذلك لعلة أخرى ، وذلك لأن النفس والعين كثيرا ما يليان العامل ويقعان غير تأكيد ، نحو : طابت نفس فلان ، ولقيت عينه ، فلو لم نؤكد معهما أوّلا بالمنفصل ، لالتبس الفاعل إذا كان غائبا أو غائبة بالتأكيد نحو : زيد جاءني نفسه ، وهند جاءتني نفسها ، ثم طرد الحكم في البواقي ، مع أن ضمائرها بارزة ، نحو : ضربتني أنت نفسك ، وإن لم يلتبس ؛
__________________
(١) هذه المناقشة راجعة إلى الأمرين السابقين في العطف على الضمير مرفوعا ومجرورا ؛