وهذا الذي ذكرنا أعني لزوم إعادة الجارّ في حال السّعة والاختيار : مذهب البصريين ، ويجوز عندهم تركها (١) اضطرارا ، كقوله :
٣٤٢ ـ فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيام من عجب (٢) |
وأجاز الكوفيون ترك الإعادة في حال السعة مستدلين بالأشعار ، ولا دليل فيها ، إذ الضرورة حاملة عليه ، ولا خلاف معها ؛ وبقوله تعالى : (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)(٣) ، بالجرّ ، في قراءة حمزة (٤) ؛
وأجيب بأن الباء مقدرة ، والجرّ بها ؛ وهو ضعيف ، لأن حرف الجر لا يعمل مقدرا في الاختيار إلّا في نحو : الله لأفعلنّ ، وأيضا لو ظهر الجارّ فالعمل للأول ، كما ذكرنا ، ولا يجوز أن تكون الواو للقسم لأنه يكون ، إذن ، قسم السؤال ، لأن قبله : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) وقسم السؤال لا يكون إلا مع الباء كما يجيء (٥) ؛
والظاهر أن حمزة جوّز ذلك بناء على مذهب الكوفيين لأنه كوفي ، ولا نسلم تواتر القراءات (٦) ؛
وذهب الجرمي (٧) وحده ، إلى جواز العطف على المجرور المتصل بلا إعادة الجارّ ، بعد تأكيده بالضمير المنفصل المرفوع نحو : مررت بك أنت وزيد ؛ قياسا على العطف على الضمير المتصل المرفوع ؛ وليس بشيء لأنه لم يسمع ذلك ، مع أن تأكيد المجرور
__________________
(١) أي ترك الإعادة ؛
(٢) قرّبت أي أخذت وشرعت ، ولم ينسب البيت إلى قائل مع كثرته في كتب النحو ، وقال البغدادي انه من أبيات سيبويه التي جهل قائلوها ؛
(٣) من الآية الأولى في سورة النساء ،
(٤) حمزة بن حبيب الزيات أحد القراء السبعة وتقدم ذكره ،
(٥) يجيئ في باب القسم آخر الكتاب ، وتقدم للرضي حديث عنه في آخر باب الاستثناء من هذا الجزء ؛
(٦) يتكرر من الرضي هذا الطعن في القراءات السبع وإنكار تواترها ، وتقدم له مثل ذلك في الفصل بين المضاف والمضاف إليه ،
(٧) صالح بن إسحاق الجرمي ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح ،