بين العاطف الذي هو كالجارّ ، وبين المجرور ، وأمّا عند من لم يجوّز ، فلهذا وللعطف على عاملين ؛
وليس الأمر كما زعم المصنف من قوله : يجيزه بعض الكوفيين ، فإن كلّهم (١) أطبقوا على المنع مما ذكرنا ، لما ذكرنا ؛
فإن ولي المجرور في المسألة المذكورة حرف العطف نحو : زيد في الدار ، والحجرة عمرو ، أجازه الأخفش ، على ما نقل عنه الجزولي (٢) وغيره ؛ لأن المانع عنده إنما كان هو الفصل بين العاطف الذي هو كالجارّ وبين المجرور ، ولا يجوز ؛ كما لا يجوز الفصل بين الجار والمجرور ، وقد زال المانع بإيلاء المجرور للعاطف ، فلهذا جوّز الأخفش : ما زيد بقائم ولا قاعد عمرو ؛
ومنع سيبويه العطف على عاملين مطلقا ، وذلك لما ذكرنا من ضعف حرف العطف عن كونه بمنزلة عاملين مختلفين ، فنحو قولهم : مررت إلى الغزو بجيش ، والحجّ بركب ، لا يجوز إجماعا ، أيّ الاسمين أوليت حرف العطف ، إذ الآخر يبقى مفصولا بينه وبين العاطف الذي هو كالجارّ ، ولا يجوز ذلك ؛ سواء كان الفاصل ظرفا نحو : مررت اليوم بزيد وأمس عمرو ، أو غيره ، بل يجب أن تقول : وأمس بعمرو ؛
وأما الفصل بالظرف أو غيره بين العاطف والمرفوع أو المنصوب ، فمختلف فيه ، منع منه الكسائي والفراء وأبو علي في السّعة ، وذلك إذا لم يكن الفاصل معطوفا ، بل يكون معمولا من غير عطف ، لعامل المعطوف المرفوع ، أو المنصوب الذي بعده ، نحو : ضرب زيد ، وعمرا بكر ، وجاءني زيد واليوم عمرو ؛ وقد فصل الشاعر بالظرف ، قال :
٣٤٤ أتعرف أم لا رسم دار معطّلا |
|
من العام يغشاه ومن عام أوّلا (٣) |
قطار وتارات خريق كأنها |
|
مضلّة بوّ في رعيل تعجّلا ؛ |
__________________
(١) تقدم قريبا إنكار الرضي لمثل هذا التعبير حيث قال ان لفظ كلهم لا يلي العوامل الظاهرة أصلا ،
(٢) الجزولي : عيسى أبو موسى تقدم ذكره في هذا الجزء والذي قبله ؛
(٣) قال البغدادي ان هذين البيتين لشاعر جاهلي اسمه القحيف العقيلي ، وقال إنهما من خمسة أبيات أوردها ابن ـ ـ الاعرابي في آخر النوادر ثم قال : ليس بين هذين البيتين وبين الثلاثة الأخرى ارتباط ، فلذلك تركتها ؛ والقطار : المطر ، والخريق : الريح الباردة ، ومضلة بوّ ، يريد به الناقة التي فقدت ولدها ؛ وقوله تعجّلا أي أسرع ، وفي البيت التضمين وهو أن قطار في البيت الثاني فاعل يغشاه في البيت الأول ،