ولا ريب في أن التمييز في : نعم ، وما بعده : عن المفرد ، وهو الضمير ، وأمّا فيما قبله ، أعني من : يا له ، إلى : ويله ، فينظر ، فان كان الضمير فيها مبهما لا يعرف المقصود منه ، فالتمييز عن المفرد أيضا ، كقوله (١) ، كرّم الله وجهه في نهج البلاغة : «يا له مراما ما أبعده» ؛ وقول امرئ القيس :
٢٠١ ـ فيا لك من ليل كأنّ نجومه |
|
بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل (٢) |
وقول ذي الرمة :
٢٠٢ ـ ويلمّها روحة والريح معصفة |
|
والغيث مرتجز والليل مرتقب (٣) |
وان عرف المقصود من الضمير ، برجوعه إلى سابق معيّن ، كقولك : جاءني زيد ، فيا له رجلا ، وويلمّه فارسا ، ويا ويحه رجلا ، ولقيت زيدا فلله درّه رجلا ؛ أو بالخطاب لشخص معيّن نحو : قلت لزيد : يا لك من شجاع ، ولله درّك من رجل ونحو ذلك ، فليس التمييز فيه عن المفرد ، لأنه لا ابهام ، إذن ، في الضمير ؛ بل عن النسبة الحاصلة بالاضافة (٤) ، كما يكون كذلك إذا كان المضاف إليه فيها ظاهرا ، نحو : يا لزيد رجلا ، وكقول الشاعر :
٢٠٣ ـ ويلمّ أيام الشباب معيشة |
|
مع الكثر يعطاه الفتى المتلف النّدي (٥) |
ولله درّ زيد رجلا ، قال :
__________________
(١) أي الإمام عليّ بن أبي طالب ، وقوله هذا من كلام له في نهج البلاغة طبع دار الشعب بالقاهرة ص ٢٦٦ ،
(٢) من معلقة امرىء القيس ، من الجزء الذي وصف فيه الليل بالطول ، والمغار بضم الميم المحكم القتل الشديد من الحبال ، ويذبل اسم جبل يقول : كأن نجوم هذا الليل قد ربطت إلى يذبل بأقوى الحبال وأشدها فلا تتحرك ؛
(٣) من قصيدة لذي الرمة ، وكلمة ويلمّ أصلها ويل أم فخفف بحذف الهمزة من أمّ ، وقيل في أصله وجوه أخرى ، والرّوحة المرة من الرواح وهو السير آخر النهار ومعنى قوله : والغيث مرتجز ، أنه لتتابعه يحدث صوتا يشبه إنشاء الرجز ؛
(٤) راجع إلى جميع الأمثلة السابقة ومنها المجرور بحرف الجر ، وقد جرى الرضي على أن الجر بالحرف من باب الإضافة ، لأن الحرف يضيف معنى الفعل إلى الاسم ، وسيأتي ذلك في باب الإضافة ،
(٥) نسب هذا البيت لأكثر من شاعر ، ومنهم علقمة الفحل ، وهو من أبيات في حماسة أبي تمام ، وبعده :
وقد يعقل القلّ الفتى دون همّه |
|
وقد كان لو لا القلّ طلّاع أنجد |