أراد «ألم يأتك» فأشبع الكسرة فنشأت الياء.
وإشباع الحركات حتى تنشأ عنها هذه الحروف كثير في كلامهم (١) ، فكذلك هاهنا.
وهذا القول ظاهر الفساد ؛ لأن إشباع الحركات إنما يكون في ضرورة الشعر كما أنشدوه من الأبيات ، وأما في حال اختيار الكلام فلا يجوز ذلك بالإجماع ، وهاهنا بالإجماع تقول في حال الاختيار : هذا أبوك ، ورأيت أباك ، ومررت بأبيك ؛ وكذلك سائرها ، فدلّ على أنها ليست للإشباع عن الحركات ، وأن الحركات ليست للإعراب ، على ما سنبين في الجواب عن كلمات الكوفيين.
أما الجواب عن كلمات الكوفيّين : أما قولهم «إن هذه الحركات تكون حركات إعراب في حال الإفراد فكذلك في حال الإضافة» قلنا : هذا فاسد ؛ لأن حرف الإعراب في حال الإفراد هو الباء ؛ لأن اللام التي هي الواو من «أبو» لما حذفت من آخر الكلمة صارت العين التي هي الباء بمنزلة اللام في كونها آخر الكلمة ؛ فكانت الحركات عليها حركات إعراب ، فأما في حال الإضافة فحرف الإعراب هو حرف العلة ؛ لأنهم لما أرادوا أن يجعلوا اختلاف الحروف بمنزلة اختلاف الحركات ردّوا اللام في الإضافة ؛ ليدلوا على أن من شأنهم الإعراب بالحروف توطئة لما يأتي من باب التثنية والجمع ، وإذا كان حرف الإعراب هو حرف العلّة لم تكن هذه الحركات على الباء في حال الإضافة حركات إعراب ؛ لأن حركات الإعراب لا تكون في حشو الكلمة ، وصار هذا بمنزلة تاء التأنيث إذا
______________________________________________________
بالتنوين ، فتجري الحرف المعتل مجرى الحرف الصحيح من جميع الوجوه في الأسماء والأفعال جميعا لأنه الأصل» اه. وكلام المازني هو الرأي الأول الذي ذكرناه لك ، وقد ذكرنا مثلهما في شرح الشاهدين ٧ و ١١ فتأمل والله يرشدك.
__________________
(١) وربما عكسوا ذلك ، فقطعوا المدة وحذفوا حرف العلة اكتفاء بالحركة المناسبة له ، ومن ذلك ما أنشده سيبويه (١ / ٩) :
كنواح ريش حمامة نجدية |
|
ومسحت باللثتين عصف الإثمد |
فإنه أراد أن يقول «كنواحي ريش حمامة» فحذف الياء اعتمادا على الكسرة التي قبلها أن تدل عليها ، ومثل قول الشاعر ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ١٨) :
في كلت رجليها سلامى واحده |
|
كلتاهما قد قرنت بزائده |
فإنه أراد أن يقول «في كلتا رجليها» فحذف الألف ، واكتفى بالفتحة التي قبلها أن تكون مرشدا إليها ، وقد أنشد المؤلف هذا البيت لما قلنا في المسألة (رقم ٦٢) وذكر معه نظائر ، وأعاده مع أمثاله في المسألة (رقم ٧٢) فارتقب ما يجيء هناك.