لضرورة الشعر في غير النداء ، قال الشاعر :
[٢٢٣] أودى ابن جلهم عبّاد بصرمته |
|
إنّ ابن جلهم أمسى حيّة الوادي |
أراد «جلهمة» فحذف التاء لضرورة الشعر ، وقال الآخر :
[٢٢٤] ألا أضحت حبالكم رماما |
|
وأضحت منك شاسعة أماما |
______________________________________________________
[٢٢٣] هذا البيت من كلام الأسود بن يعفر ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٣٤٤) ورواه ابن منظور (ج ل ه م) وأودى بها : أي ذهب بها ، والصرمة ـ بكسر الصاد وسكون الراء ـ القطعة من الإبل ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، والوادي : المطمئن من الأرض ، وحية الوادي : كناية عن كونه يحمي ناحيته ويتقى منه كما يتقى من الحية الحامية لواديها المانعة منه. ومحل الاستشهاد بالبيت قوله «إن ابن جلهم» واعلم أولا أن العرب سمت المرأة جلهم ـ بغير تاء ـ وسمت الرجل جلهمة ـ بالتاء ـ كذا جرى استعمالهم للاسمين ، ثم اعلم أنه يجوز أن يكون الشاعر قد عنى أباه ، ويجوز أن يكون قد عنى أمه ، فإن كان قد عنى أباه كان أصل العبارة «إن ابن جلهمة» فرخمه بحذف التاء مع أنه غير منادى ، بل هو فاعل أودى ومضاف إليه ، ولكن يسأل حينئذ عما دعاه إلى فتح «جلهم» وهو علم لمذكر فلا يكون ممنوعا من الصرف بعد حذف التاء ، والجواب عن هذا أنه لما حذف التاء أبقى الحرف الذي قبلها على ما كان عليه ، كالذي يرخم على لغة من ينتظر الحرف المحذوف ، وإن كان قد عنى أمه كان أصل العبارة «إن ابن جلهم» كما وردت في البيت ؛ فلا يكون في البيت ـ على هذا الوجه ـ ترخيم ، ولا يستدل به على شيء من هذا الباب. ويكون «جلهم» مجرورا بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث كزينب ورباب من أعلام الإناث التي لا تاء فيها ، ومن هنا تعلم أن استشهاد المؤلف بهذا البيت لا يتم إلا على أساس أن الشاعر أراد اسم الأب ، وهو ظاهر بعد هذا الإيضاح. قال سيبويه رحمهالله : «وأما قول الأسود بن يعفر :
* أودى ابن جلهم عباد بصرمته*
فإنما أراد أمه جلهم ، والعرب يسمون المرأة جلهم والرجل جلهمة» اه. يعني أنه لا ترخيم فيه عنده ، وقال الأعلم : «الشاهد في قوله جلهم ، وأنه أراد أمه جلهم ؛ فلا ترخيم فيه على هذا ؛ لأن العرب سمت المرأة جلهم بغير هاء ، والرجل جلهمة بالهاء. كذا جرى استعمالهم للاسمين ، وإن كان أراد أباه فقد رخم» اه.
[٢٢٤] هذا البيت من كلام جرير بن عطية بن الخطفي ، وروايته في الديوان على قلق في وزنه (ص ٥٠٢) :
أصبح حبل وصلكم رماما |
|
وما عهد كعهدك يا أماما |
وليس في البيت ـ على هذه الرواية ـ ما يستشهد به لشيء في هذه المسألة كما ترى ، وكان أبو العباس المبرد يرد الاستشهاد بهذا البيت ويدعي أن الرواية هي هذه ، والبيت ـ على ما وراه المؤلف ـ من شواهد سيبويه (١ / ٣٤٣) ورضي الدين في شرح الكافية (١ / ١٣٦) وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٣٨٩ بولاق) وابن هشام في أوضح المسالك (رقم ٤٥٧)