دعا سوء هذه الأوضاع من إهمال شأن العلماء أن صارت مؤسساتهم العلمية ودور ثقافتهم لأنفسهم ، ولينالوا حظا من رغبتهم لا أن يكونوا رجال الدولة ، أو أعضاءها الفعالة ... ومن أراد حظا من ذلك وطمحت نفسه إلى أكثر مما هو فيه مال إلى الخارج. والتاريخ دوّن الكثيرين ... أو انكب على لغة القوم وآدابهم ليحصل على بعض حظوظهم أو يأمن غوائلهم ... ذلك كله بعد أن كان أولئك القوم قد اتخذوا مناهج ثقافية متعددة وبصورة متوالية لإدراك اللغة العربية وعلومها بالترجمة وبوسائل أخرى ... وهذه الأيام بدء دور الاستقلال بالثقافة ...
وهكذا يقال عن الآداب من منظوم ومنثور كانت واسعة الخطى ، وغزيرة المادة فركدت لما أصابها من خذلان فاشتهر أدباء العراق في غير العراق ، وذاع صيت شعراء الفرس في نفس العراق. ولم يعد بالإمكان صد تيار السيل الجارف .. وإن تعديل المناهج وتدريس اللغة الفارسية وآدابها لا يؤدي إلى مجاراة العصر. لأن العراق لو انقلب منطقة فارسية وأهمل أهلوه لغتهم وثقافتهم لما نالوا غير منزلتهم فالعروة كانت بيد الكواز ، والقوم لا يقربون سوى أبناء جلدتهم .. ونبغ في العراق بعض شعرائهم ممن له الذكر العظيم عندهم ...
هذه الأشكال ظاهرة عيانا ، وإن فتح المدارس الجديدة لم يعوض الخلل ، ولا وقف تيار هذا الإفساد في الثقافة وإنما تمادى ولم يظهر بوضوح إلا في العصور التالية إذ لا تزال بقية باقية ... ولكن تحقق بصورة جلية أن تلك الثقافة يصح أن يقال فيها (علم لا ينفع وجهل لا يضر).
ولا يفوتنا أن نقول إن هذا العصر تفوق على غيره بكثرة مدارسه وتنوع علومه .. مع القطع بأن الفارسية استعانت كثيرا بهذه المدارس ،