وهؤلاء (رجال الإجازة) فهم الذين يتولون حق منح الإذن بالتدريس كواحد منهم فيقوم بمهمة قريبة من مهمة أستاذه المتخرج عليه .. إلى أن ينال مكانته بما يظهر فيه من مواهب. ولا يصل إلى هذه المنزلة إلا من تيسرت له القدرة العلمية والكفاءة التامة في حل الغوامض والمشاكل وزاول بتدريب أستاذه ما يؤهله للاستغناء عنه بنفسه ... وغالب علماء العراق معروفون فيه وفي أقطار عديدة ...
تلك السيرة المنتظمة التي مضى عليها العلماء لم يفسدها تبديل مناهج ، ولا تحويل مدرسين ، ولا تغيير أساليب أو كتب مدرسية .. وإنما نراها سائرة إلى الكمال ، ومستمدة ثقافتها من نفس بيئتها وما تدعو إليه ... ولكن أثرت فيها السياسة الغربية والثقافة الإيرانية وكان قد أشبع بها رجال الحكومة وملوكها ... فأهملت تلك الثقافة ، وزالت فائدتها فبعد أن كان رجال الدولة من متخرجي هذه المدارس والجادين لصلاحها وإصلاحها ... صار الوزراء الأجانب ينظرون إليها بعين الريبة والخوف ، ويخشون أن يقدم أحد رجالها عليهم ... بل صاروا لا يأمنون أحدا من العراقيين فقدموا أبناء جلدتهم ليحتفظوا بمراكزهم ولم ينظروا إلى الكفاءة العلمية ، ولا درجة الثقافة في العلوم والصناعات (هذا من شيعته وهذا من عدوه) .. ومن ثم صار لسان حال هؤلاء العلماء يقول :
إذا كان علم الناس ليس بنافع |
|
ولا دافع فالخسر للعلماء |
مالوا إلى الإمامة ، والخطابة ، والوعظ ، والتدريس وهو أرقى المناصب ، أو القضاء ولا يحصل دائما فانحصرت فائدة العلوم ومطالبها في هذه الأمور فانحطت المدارك ، وتركوا السياسة ومشتقاتها ... وصارت مخصصاتهم لا تكفي لسد الرمق والحاجة وصار غيرهم يتنعم بأنواع النعيم وكل خيرات البلاد بأيديهم ... فإذا قال العالم :
غزلت لهم غزلا دقيقا فلم أجد |
|
لغزلي نساجا فكسرت مغزلي |
لا يعدو شاكلة الصواب ...