أما القحط في بغداد فإنه بلغ حده حتى أن الأمهات وصلن إلى درجة أكل أبنائهن وبناتهن وبلغت قيمة الحمار ألف أقچه ...
وبهذه الصورة بدت ـ أثناء الحصار ـ علائم الضعف في بكر صوباشي وقلت ذخائره الحربية ومعداته وأن ابنه الكبير محمدا لما شاهد هذه الحالة استولى عليه اليأس ...
مضت بضعة أيام والمدينة تحت حراسة محمد بن بكر صوباشي وكان الأمل أن يأتي الله بفرج من عنده فلم يجد ما يزيل المصيبة أو يدفع هذا الشر. وعجز القوم عن المقاومة مع أن القوة كانت كافية للمقاومة فأرسل سفيرا إلى الشاه وأبدى أنه يسلم بغداد. وعلى هذا أرسل الشاه عيسى خان ومعه بضعة آلاف من العساكر الذين كانوا في الصحراء فدخلوا المدينة بلا عناء ولا تعب وتصرفوا بها.
كان استيلاء الشاه عباس الصفوي على بغداد يوم الأحد ٢٣ من شهر ربيع الأول سنة ١٠٣٢ ه ونال عطف هذا الشاه كل من محمد (درويش) بن بكر (صوباشي) وعبد الرحمن جلبي وبعض نفر فتحوا له المدينة فنجوا من القتل. ثم تعقب الآخرين ممن دخلوا في خصام فعاقبهم بضروب العقوبات كما سمى الآخرين بـ (باقي الظلمة وأهل العدوان) فأوقع بهم جزاء أعمالهم ...! ووجهت ولاية بغداد إلى صفي قلي (١).
وتفصيل هذا الحادث في (تاريخ العصامي) ، وفي (عنوان المجد) لابن بشر ، وفي (تاريخ الدولة العثمانية) للمستشرق همّر المعروف (ج ٩ ص ٢٣) ، ومثله في كتاب (أربعة عصور من تاريخ العراق الحديث) ص ٦١ الطبعة العربية الأولى سنة ١٩٤١ م وما فيها من هامش ، والطبعة الثانية سنة ١٩٤٩ ص ٥٤ مع الهامش أيضا.
__________________
(١) عالم آراي عباسي ج ٣ ص ٧٥٧.