شبه : قال الليث : الشَّبَه : ضَربٌ من النُّحاس يُلقَى عليه دواءٌ فيصفرّ ، وسُمِّي بالشَّبَه لأنه شُبِّه بالذَّهَب.
وتقول : في فلانٍ شَبَهٌ من فلان ، وهو شَبَهُه وشِبْههُ وشَبِيهه.
وقال العجّاج يصف رَمْلاً :
وشَبَهٌ أَمَيلُ مَيْلانيُّ*
ويقال : شبَّهتُ هذا بهذا ، وأشْبَه فلانٌ فلاناً.
وقال الله جلّ وعزّ : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) [آل عِمرَان : ٧]. قيل : معناه يُشبه بعضُها بعضاً. قلت : وقد اختلف المفسِّرون في تفسير قوله : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) ؛ فرُوي عن ابن عبّاس أنه قال : و «الر» وما اشتبه على اليَهود من هذه ونحوِها. قلت : وهذا لو كان صحيحاً عن ابن عباس كان التفسير مسلّماً له ، ولكنّ أهلَ المعرفة بالأخبار وَهَّنوا إسناده ، وقد كان الفرّاء يذهب إلى ما رُوِي عن ابن عبّاس في هذا ورُوِي عن الضحّاك أنه قال : المُحْكَمات : ما لم يُنسَخ ، والمتشابِهات : ما قد نُسخ.
وقال غيره : المُتشابِهات هي الآيات التي نَزلتْ في ذِكر القيامة والبَعْث ، ضَرْبَ قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ* أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ).
[سبأ : ٧ ، ٨]. وضَرْبَ قوله : (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) [الصافات : ١٥ ـ ١٧] فهذا الذي تَشابَه عليهم فأَعلمهم الله جلّ وعزّ الوجهَ الذي ينبغي أن يستدلّوا به على أنّ هذا المُتشابه عليهم كالظاهر لو تدبَّروه ، فقال : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) إلى قوله : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) [يّس : ٧٨ ـ ٨١] ، أي إذا كنتم قد أقررتم بالإنشاء والابتداء فما تُنكرون من البَعْث والنُّشور؟ وهذا قولُ كثيرٍ من أهل العلم ، وهو بيِّن واضح ، وممّا يدلّ على هذا القول قولُه جلّ وعزّ : (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران : ٧] ، أي أنهم طلبوا تأويل بَعْثِهم وإحيائهم ، فأعلم الله أنَّ تأْويلَ ذلك ووقتَه لا يَعلمُه إلّا الله جلّ وعزّ.
والدَّليل على ذلك قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) [الأعرَاف : ٥٣] يريد قيامَ الساعة وما وُعدوا من البَعْث والنُّشور وهذا قولُ كثير من أهل العلم والله أعلم.
وأمَّا قولُه عزوجل (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) [البَقَرَة : ٢٥] فإن أهل اللغة قالوا : معنى قوله : مُتَشابِهاً يُشْبِه بعضُه بعضاً في الجودِة والحُسْن.
وقال المفسِّرون : مُتَشابِهاً يُشْبه بعضُه بعضاً في الصُّورة ، ويختلف في الطعم ، ودليل المفسِّرين قوله جلّ وعزّ : (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) [البَقَرَة : ٢٥] لأنّ صُورته الصُّورة الأولى ، ولكنَّ اختلافَ الطُّعوم مع اتِّفاق الصُّورة أَبلَغ وأَغْرب عند الخلق ، لو رأيْتَ تُفَّاحاً فيه طَعم كلِّ الفاكهة لكان نهايةً في العجب.