من انتحل النصرانية أو اليهودية كان حكمه حكمهم وإن لم يكن متمسكا بجميع شرائعهم ولقوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) وكان أبو الحسن الكرخي ممن يذهب إلى ذلك قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) قال الحسن وقتادة والضحاك وابن جريج نزلت في أبى بكر الصديق رضى الله عنه ومن قاتل معه أهل الردة وقال السدى هي في الأنصار وقال مجاهد في أهل اليمن وروى شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعرى قال لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) أومأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشيء معه إلى أبى موسى فقال هم قوم هذا وفي الآية دلالة على صحة إمامة أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم وذلك لأن الذين ارتدوا من العرب بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما قاتلهم أبو بكر وهؤلاء الصحابة وقد أخبر الله أنه يحبهم ويحبونه وأنهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ومعلوم أن من كانت هذه صفته فهو ولى الله ولم يقاتل المرتدين بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم غير هؤلاء المذكورين وأتباعهم ولا يتهيأ لأحد أن يجعل الآية في غير المرتدين بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم من العرب ولا في غير هؤلاء الأئمة لأن الله تعالى لم يأت بقوم يقاتلون المرتدين المذكورين في الآية غير هؤلاء الذين قاتلوا مع أبى بكر ونظير ذلك أيضا في دلالته على صحة إمامة أبى بكر قوله تعالى (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) لأنه كان الداعي لهم إلى قتال أهل الردة وأخبر تعالى بوجوب طاعته عليهم بقوله (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) فإن قال قائل يجوز أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم هو الذي دعاهم قيل له قال الله تعالى (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) فأخبر أنهم لا يخرجون معه أبدا ولا يقاتلون معه عدوا فإن قال قائل جائز أن يكون عمر هو الذي دعاهم قيل له إن كان كذلك فإمامة عمر ثابتة بدليل الآية وإذا صحت إمامته صحت إمامة أبى بكر لأنه هو المستخلف له* فإن قيل جائز أن يكون على هو الذي دعاهم إلى محاربة من حارب قيل له قال الله تعالى (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) وعلى رضى الله عنه إنما قاتل أهل البغي وحارب أهل الكتاب على أن يسلموا أو يعطوا الجزية ولم يحارب أحد بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم على أن يسلموا غير أبى بكر فكانت الآية دالة على صحة إمامته.