في سائر الحقوق* قيل له قد بينا أنها منسوخة على المسلمين باقية على أهل الذمة في سائر الحقوق وقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وإن اختلفت مللهم قول أصحابنا وعثمان البتى والثوري وقال ابن أبى ليلى والأوزاعى والحسن وصالح والليث تجوز شهادة أهل كل ملة بعضهم على بعض ولا تجوز على ملة غيرها وقال مالك والشافعى لا تجوز شهادة أهل الكفر بعضهم على بعض وما ذكرنا من دلالة الآية يقتضى تساوى شهادات أهل الملل بقوله تعالى (أو آخران من غيركم) يعنى غير المؤمنين المبدوء بذكرهم ولم تفرق بين الملل ومن حيث اقتضت جواز شهادة أهل الملل على وصية المسلم في السفر وهي دالة على جواز شهادتهم على الكفار في ذلك مع اختلاف مللهم* ومما يوجب جواز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض من جهة السنة ما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكروا أن رجلا وامرأة منهم زنيا فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم برجمهما وروى الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال مر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهودي محمم فقال ما شأن هذا فقالوا زنى فرجمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وروى جابر عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلّم جاءه اليهود برجل وامرأة زنيا فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم ائتوني بأربعة منكم يشهدون فشهد أربعة منهم فرجمهما النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن الشعبي قال تجوز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض وعن شريح وعمر بن عبد العزيز والزهري مثله وقال ابن وهب خالف مالك معلميه في رد شهادة النصارى بعضهم على بعض وكان ابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة يجيزونها وقال ابن أبى عمران من أصحابنا سمعت يحيى بن أكثم يقول جمعت هذا الباب فما وجد عن أحد من المتقدمين رد شهادة النصارى بعضهم على بعض إلا من ربيعة فإنى وجدت عنه ردها ووجدت عنه إجازتها قال أبو بكر قد ذكرنا حكم الآية على الوجوه التي رويت فيها عن السلف وما نسخ منها وما هو منها ثابت الحكم فلنذكر الآية على سياقها مع بيان حكمها على ما اقتضاه ترتيبها على السبب الذي نزلت فيه فنقول وبالله التوفيق أن قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) يعتوره معنيان أحدهما شهادة بينكم شهادة اثنين ذوى عدل منكم فحذف ذكر الشهادة الثانية لعلم المخاطبين بالمراد ويحتمل عليكم شهادة بينكم فهو أمر بإشهاد اثنين ذوى عدل كقوله تعالى في الدين (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) فأفاد الأمر بإشهاد شاهدين عدلين من المسلمين أو آخرين من غير المسلمين على وصية