إن الأعراب يأتون باللحم فبتنا عندهم وهم حديثو عهد بكفر لا ندري ذكروا اسم الله عليه أم لا فقال سموا الله عليه وكلوا فلو لم تكن التسمية من شرط الذكاة لقال وما عليكم من ترك التسمية ولكنه قال كلوا لأن الأصل أن أمور المسلمين محمولة على الجواز والصحة فلا تحمل على الفساد وما لا يجوز إلا بدلالة فإن قيل لو كان المراد ترك المسلم التسمية لوجب أن يكون من استباح أكله فاسقا لقوله تعالى (وإنه لفسق) فلما اتفق الجميع على أن المسلم التارك للتسمية عامدا غير مستحق بسمة الفسق دل على أن المراد الميتة أو ذبائح المشركين قيل له ظاهر قوله (وإنه لفسق) عائد على الجميع من المسلمين وغيرهم وقيام الدلالة على خصوص بعضهم غير مانع بقاء حكم الآية في إيجاب التسمية على المسلم في الذبيحة وأيضا فإنا نقول من ترك التسمية عامدا مع اعتقاده لوجوبها هو فاسق وكذلك من أكل ما هذا سبيله مع الاعتقاد لأن ذلك من شرطها فقد لحقته سمة الفسق وأما من اعتقد أن ذلك في الميتة أو ذبائح أهل الشرك دون المسلمين فإنه لا يكون فاسقا لزواله عند حكم الآية بالتأويل فإن قال قائل لما كانت التسمية ذكرا ليس بواجب في استدامته ولا في انتهائه وجب أن لا يكون واجبا في ابتدائه ولو كان واجبا لاستوى فيه العامد والناسي قيل له أما القياس الذي ذكره فهو دعوى محض لم يرده على أصل فلا يستحق الجواب على أنه منتقض بالإيمان والشهادتين وكذلك في التلبية والاستيذان وما شاكل هذا لأن هذه إذا كانت ليست بواجبة في استدامتها وانتهائها ومع ذلك فهي واجبة في الابتداء وإنما قلنا إن ترك التسمية ناسيا لا يمنع صحة الذكاة من قبل أن قوله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) خطاب للعامد دون الناسي ويدل عليه قوله تعالى في نسق التلاوة (وإنه لفسق) وليس ذلك صفة للناسي ولأن الناسي في حال نسيانه غير مكلف للتسمية وروى الأوزاعى عن عطاء بن أبى رباح عن عبيد بن عمير عن عبد الله ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تجاوز الله عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وإذا لم يكن مكلفا للتسمية فقد أوقع الذكاة على الوجه المأمور به فلا يفسده ترك التسمية وغير جائز إلزامه ذكاة أخرى لفوات ذلك منه وليس ذلك مثل نسيان تكبيرة الصلاة أو نسيان الطهارة ونحوها لأن الذي يلزمه بعد الذكر هو فرض آخر ولا يجوز أن يلزمه فرض آخر في الذكاة لفوات محلها فإن قيل لو كانت التسمية من شرائط الذكاة