دلالة على تحريم أكلهن لأنها لو كانت مما تؤكل لأمر بالتوصل إلى ذكاتها فيما تتأتى فيه الذكاة منها فلما أمر بقتلها والقتل إنما يكون لا على وجه الذكاة ثبت أنها غير مأكولة ولما ثبت ذلك في الغراب والحدأة كان سائر ما يأكل الجيف مثلها ودل على أن ما كان من حشرات الأرض فهو محرم كالعقرب والحية وكذلك اليربوع لأنه جنس من الفأر* وأما قول الشافعى في اعتباره ما كانت العرب تستقذره وإن ما كان كذلك فهو من الخبائث فلا معنى له من وجوه أحدها أن نهى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير قاض بتحريم جميعه وغير جائز أن يزيد فيه ما ليس منه ولا يخرج منه ما قد تناوله العموم ولم يعتبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ما ذكره الشافعى وإنما جعل كونه ذا تاب من السباع وذا مخلب من الطير علما للتحريم فلا يجوز الاعتراض عليه بما لم تثبت به الدلالة ومن جهة أخرى أن خطاب الله تعالى للناس بتحريم الخبائث عليهم لم يختص بالعرب دون العجم بل الناس كلهم من كان منهم من أهل التكليف داخلون في الخطاب فاعتبار ما يستقذره العرب دون غيرهم قول لا دليل عليه خارج عن مقتضى الآية ومع ذلك فليس يخلو من أن يعتبر ما كانت العرب يستقذره جميعهم أو بعضهم فإن كان اعتبر الجميع فإن جميع العرب لم يكن يستقذر الحيات والعقارب ولا الأسد والذئاب والفأر وسائر ما ذكر بل عامة الأعراب تستطيب أكل هذه الأشياء فلا يجوز أن يكون المراد ما كان جميع العرب يستقذره وإن أراد ما كان بعض العرب يستقذره فهو فاسد من وجهين أحدهما أن الخطاب إذا كان لجميع العرب فكيف يجوز اعتبار بعضهم عن بعض والثاني أنه لما صار البعض المستقذر كذلك كان أولى بالاعتبار من البعض الذي يستطيبه فهذا قول منتقض من جميع وجوهه وزعم أنه أباح الضبع والثعلب لأن العرب كانت تأكله وقد كانت العرب تأكل الغراب والحدأة والأسد لم يكن منهم لم يمتنع من أكل ذلك وأما اعتباره ما يعدو على الناس فإن أراد به يعدو على الناس في سائر الأحوال فإن ذلك لا يوجد في الحدأة والحية والغراب وقد حرمها وإن أراد به العدو عليهم في حال إذا لم يكن جائعا والجمل الهائج قد يعدو على الإنسان وكذلك الثور في بعض الأحوال ولم يعتبر ذلك هو ولا غيره في هذه الأشياء في تحريم الأكل وإباحته والكلب السنور لا يعدوان على الناس وهما محرمان وقد اختلف في لحوم الإبل الجلالة