الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) أخبر تعالى عن أهل الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر مع إظهارهم الإيمان بالنشور والبعث وذلك يحتمل وجوها أحدها أن يكون مراده لا يؤمنون باليوم الآخر على الوجه الذي يجرى حكم الله فيه من تخليد أهل الكتاب في النار وتخليد المؤمنين في الجنة فلما كانوا غير مؤمنين بذلك أطلق القول فيهم بأنهم لا يؤمنون باليوم الآخر ومراده حكم يوم الآخر وقضاؤه فيه كما تقول أهل الكتاب غير مؤمنين بالنبي والمراد بنبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم وقيل فيه إنه أطلق ذلك فيهم على طريق الذم لأنهم بمنزلة من لا يقربه في عظم الحرم كما أنهم بمنزلة المشركين في عبادة الله تعالى بكفرهم الذي اعتقدوه وقيل أيضا لما كان إقرارهم عن غير معرفة لم يكن ذلك إيمانا وأكثرهم بهذه الصفة وقوله تعالى (ولا يدينون دين الحق) فإن دين الحق هو الإسلام قال الله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) وهو التسليم لأمر الله وما جاءت به رسله والانقياد له والعمل به والدين ينصرف على وجوه منها الطاعة ومنها القهر ومنها الجزاء قال الأعشى :
هو دان الرباب أذكر هو الد |
|
دين دراكا بغزوة وصيال |
يعنى قهر الرباب أذكر هو إطاعته وأبوا الانقياد له وقوله تعالى (مالك يوم الدين) قيل إنه يوم الجزاء ومنه كما تدين تدان ودين اليهود والنصارى غير دين الحق لأنهم غير منقادين لأمر الله ولا طائعين له لجحودهم نبوة نبينا صلّى الله عليه وسلّم فإن قيل فهم يدينون بدين التوراة والإنجيل معترفون به منقادين له قيل له في التوراة والإنجيل ذكر نبينا وأمرنا بالإيمان واتباع شرائعه وهم غير عاملين بذلك بل تاركون له فهم غير متبعين دين الحق وأيضا فإن شريعة التوراة والإنجيل قد نسخت والعمل بها بعد النسخ ضلال فليس هو إذا دين الحق وأيضا فهم قد غيروا المعاني وحرفوها عن مواضعها وأزالوها إلى ما تهواه أنفسهم دون ما أوجبه عليهم كتاب الله تعالى فهم غير دائنين دين الحق قوله تعالى (من الذين أوتوا الكتاب) فإن أهل الكتاب من الكفار هم اليهود والنصارى لقوله تعالى (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) فلو كان المجوس أو غيرهم من أهل الشرك من أهل الكتاب لكانوا ثلاث طوائف وقد اقتضت الآية أن أهل الكتاب طائفتان وقد بيناه فيما سلف وتقدم الكلام أيضا في حكم الصابئين وهل هم أهل الكتاب