بالمسلمين لم يمكن تلافيه وتعلم العلم ممكن في سائر الأحوال ولأن تعلم العلم فرض على الكفاية لا على كل أحد في خاصة نفسه ومتى لم يكن بإزاء العدو من يدفعه عن المسلمين فقد تعين فرض الجهاد على كل أحد وما كان فرضا معينا على الإنسان غير موضع عليه في التأخير فهو أولى من الفرض الذي قام به غيره وسقط عنه بعينه وذلك مثل الاشتغال بصلاة الظهر في آخر وقتها هو أولى من تعلم علم الدين في تلك الحال إذ كان الفرض قد تعين عليه في هذا الوقت فإن قام بفرض الجهاد من فيه كفاية وغنى فقد عاد فرض الجهاد إلى حكم الكفاية كتعلم العلم إلا أن الاشتغال بالعلم في هذه الحال أولى وأفضل من الجهاد لما قدمنا من علو مرتبة العلم على مرتبة الجهاد فإن ثبات الجهاد بثبات العلم وأنه فرع له ومبنى عليه فإن قيل هل يجوز الجهاد مع الفساق قيل له إن كل أحد من المجاهدين فإنما يقوم بفرض نفسه فجائز له أن يجاهد الكفار وإن كان أمير الجيش وجنوده فساقا وقد كان أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يغزون بعد الخلفاء الأربعة مع الأمراء الفساق وغزا أبو أيوب الأنصارى مع يزيد اللعين وقد ذكرنا حديث أبى أيوب أنه لم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا عاما واحدا فإنه استعمل على الجيش رجل شاب ثم قال بعد ذلك وما على من استعمل على فكان يقول قال الله تعالى (انفروا خفافا وثقالا) فلا أجدنى إلا خفيفا أو ثقيلا فدل على أن الجهاد واجب مع الفساق كوجوبه مع العدول وسائر الآي الموجبة لفرض الجهاد لم يفرق بين فعله مع الفساق ومع العدول الصالحين وأيضا فإن الفساق إذا جاهدوا فهم مطيعون في ذلك كما هم مطيعون لله في الصلاة والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام وأيضا فإن الجهاد ضرب من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولو رأينا فاسقا يأمر بمعروف وينهى عن منكر كان علينا معاونته على ذلك فكذلك الجهاد فالله تعالى لم يخص بفرض الجهاد العدول دون الفساق فإذا كان الفرض عليهم واحدا لم يختلف حكم الجهاد مع العدول ومع الفساق قوله تعالى (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة) والعدة ما يعده الإنسان ويهيئه لما يفعله في المستقبل وهو نظير الأهبة وهذا يدل على وجوب الاستعداد للجهاد قبل وقت وقوعه وهو كقوله (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) وقوله تعالى (ولكن كره الله انبعاثهم) يعنى خروجهم كان يقع على وجه الفساد وتخذيل المسلمين وتخويفهم من العدو والتضريب بينهم والخروج