وجه التحريم وامتناع جواز إعطائه الزكاة كذلك القوى المكتسب قيل له يجوز أن يريد الغنى الذي يستغنى به عن المسألة وهو أن يكون له أقل من مائتي درهم لا الغنى الذي يجعله في حيز من يملك ما تجب في مثله الزكاة إذ قد يجوز أن يسمى غنيا لاستغنائه بما يملكه عن المسألة ولم يرد به الغنى الذي يتعلق بملك مثله وجوب الغنى فكان قوله لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوى على وجه الكراهة للمسألة لمن كان في مثل حاله وعلى أن حديث أبى هريرة هذا في قوله لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوى مختلف في رفعه فرواه أبو بكر بن عياش مرفوعا على ما قدمنا ورواه أبو يوسف عن حصين عن أبى حازم عن أبى هريرة من قوله غير مرفوع وحديث عبد الله بن عمرو ورواه شعبة والحسن بن صالح عن سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد عن عبد الله بن عمرو موقوفا عليه من قوله وقال لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوى ورواه سفيان عن سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال لا تحل الصدقة لغنى ولا لقوى مكتسب فاختلفوا في رفعه وظاهر قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) عام في سائرهم من قدر منهم على الكسب ومن لم يقدر وكذلك قوله تعالى (فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) يقتضى وجوب الحق للسائل القوى المكتسب إذ لم تفرق الآية بينه وبين غيره ويدل أيضا قوله تعالى (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) ولم يفرق بين القوى المكتسب وبين من لا يكتسب من الضعفاء فهذه الآيات كلها قاضية ببطلان قوله القائل بأن الزكاة لا تعطى للفقير إذا كان قويا مكتسبا ولا يجوز تخصيصها بخبر أبى هريرة وعبد الله بن عمرو الذين ذكرنا لاختلافهم في رفعه واضطرب متنه لأن بعضهم يقول قوى مكتسب وبعضهم لذي مرة سوى وقد رويت أخبار هي أشد استفاضة وأصح طرقا من هذين الحديثين معارضة لهما منها حديث أنس وقبيصة بن المخارق أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال إن الصدقة لا تحل إلا في إحدى ثلاث فذكر إحداهن فقر مدقع وقال أو رجل أصابته فاقة أو رجل أصابته جائحة ولم يشرط في شيء منها عدم القوة والعجز عن الاكتساب ومنها حديث سليمان أنه حمل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم صدقة فقال لأصحابه كلوا ولم يأكل ومعلوم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أقوياء مكتسين ولم يخص النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بها من كان منهم زمنا أو عاجزا عن