أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن أعلمهم أن الله تعالى فرض عليهم حقا في أموالهم يؤخذ من أغنيائهم ويرد في فقرائهم فأخبر أن المعنى الذي به يستحق جميع الأصناف هو الفقر لأنه عم جميع الصدقة وأخبر أنها مصروفة إلى الفقراء وهذا اللفظ مع ما تضمن من الدلالة يدل على أن المعنى المستحق به الصدقة هو الفقر وأن عمومه يقتضى جواز دفع جميع الصدقات إلى الفقراء حتى لا يعطى غيرهم بل ظاهر اللفظ يقتضى إيجاب ذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم أمرت فإن قيل العامل يستحقه لا بالفقر قيل له لم يكونوا يأخذونها صدقة وإنما تحصل الصدقة للفقراء ثم يأخذها العامل عوضا من عمله لا صدقة كفقير تصدق عليه فأعطاها عوضا عن عمل عمل له وكما كان يتصدق على بريرة فتهديه للنبي صلّى الله عليه وسلّم هدية للنبي وصدقة لبريرة فإن قيل فإن المؤلفة قلوبهم قد كانوا يأخذونها صدقة لا بالفقر قيل له لم يكونوا يأخذونها صدقة وإنما كانت تحصل صدقة للفقراء فيدفع بعضها إلى المؤلفة قلوبهم لدفع أذيتهم عن فقراء المسلمين وليسلموا فيكونوا قوة لهم فلم يكونوا يأخذونها صدقة بل كانت تحصل صدقة فتصرف في مصالح المسلمين إذ كان مال الفقراء جائزا صرفه في بعض مصالحهم إذ كان الإمام يلي عليهم ويتصرف في مصالحهم فأما ذكر الأصناف فإنما جاء به لبيان أسباب الفقر على ما بينا والدليل عليه أن الغارم وابن السبيل والغازي لا يستحقونها إلا بالحاجة والفقر دون غيرهما فدل على أن المعنى الذي به يستحقونها هو الفقر* فإن قيل روى عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن نعيم أنه سمع زياد بن الحارث الصدائى يقول أمرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قوم فقلت أعطنى من صدقاتهم ففعل وكتب لي بذلك كتابا فأتاه رجل فقال أعطنى من الصدقة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن الله عز وجل لم يرض بحكم نبي ولا غيره حتى حكم فيها من السماء فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك منها قيل له هذا يدل على صحة ما قلنا لأنه قال إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك فبان أنها مستحقة لمن كان من أهل هذه الأجزاء وذكر فيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كتب للصدائى بشيء من صدقة قومه ولم يسئله من أى الأصناف هو فدل ذلك على أن قوله إن الله تعالى جزأها ثمانية أجزاء معناه ليوضع في كل جزء منها جميعها إن رأى ذلك الإمام ولا يخرجها عن جميعهم وأيضا فليس تخلو الصدقة من أن تكون مستحقة بالاسم أو بالحاجة أو بهما