وحاجتهم إلى معرفة حكمه ولا جائز في مثله الاقتصار بالتبليغ إلى بعضهم دون بعض فلو كان منه توقيف لعرفه عامة الصحابة فلما روى عن الجماعة الذين ذكرناهم من الصحابة أنه لا وضوء فيه دل على أنه لم يكن منه صلّى الله عليه وسلّم توقيف لهم عليه وعلم أنه لا وضوء فيه فإن قيل يلزمك مثله لخصمك لأن لو لم يكن فيه وضوء لكان من النبي صلّى الله عليه وسلّم توقيف للكافة عليه لأنه لا وضوء فيه لعموم البلوى به قيل له لا يجب ذلك في نفى الوضوء منه كما يجب في إثباته وذلك لأنه معلوم أن الوضوء منه لم يكن واجبا في الأصل فجائز أن يتركهم النبي صلّى الله عليه وسلّم على ما كان معلوما عندهم من نفى وجوب الطهارة ومتى شرع الله تعالى فيه إيجاب الوضوء فغير جائز أن يتركهم بغير توقيف عليه مع علمه بما كانوا عليه من نفى إيجابه لأن ذلك يوجب إقرارهم على خلاف ما تعبدوا به فلما وجدنا قوما من جلة الصحابة لم يعرفوا الوضوء من مس المرأة علمنا أنه لم يكن منه توقيف على ذلك فإن قيل جائز أن لا يكون منه صلّى الله عليه وسلّم توقيف في حال ذلك اكتفاء بما في ظاهر الكتاب من قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) وحقيقته هو اللمس باليد وبغيرها من الجسد قيل له في الآية نص على أحد المعنيين بل فيها احتمال لكل واحد منهما ولأجل ذلك اختلفوا في معناها وسوغوا الاجتهاد في طلب المراد بها فليس إذا فيها توقيف في إيجاب الوضوء مع عموم الحاجة إليه وأيضا اللمس يحتمل الجماع على ما تأوله على وابن عباس وأبو موسى ويحتمل اللمس باليد على ما روى عن عمر وابن مسعود فلما روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قبل بعض نسائه ثم صلّى ولم يتوضأ أبان ذلك عن مراد الله تعالى ووجه آخر يدل على أن المراد منه الجماع وهو أن اللمس وإن كان حقيقة للمس باليد فإنه لما كان مضافا إلى النساء وجب أن يكون المراد منه الوطء كما أن الوطء حقيقته المشي بالأقدام فإذا أضيف إلى النساء لم يعقل منه غير الجماع كذلك هذا ونظيره قوله تعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) يعنى من قبل أن تجامعوهن وأيضا فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر الجنب بالتيمم في أخبار مستفيضة ومتى ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حكم ينتظمه لفظ الآية وجب أن يكون فعله إنما صدر عن الكتاب كما أنه لما قطع السارق وكان في الكتاب لفظ يقتضيه كان قطعه معقولا بالآية وكسائر الشرائع التي فعلها النبي صلّى الله عليه وسلّم مما ينطوى عليه ظاهر الكتاب وإذا ثبت أن المراد باللمس الجماع انتفى منه مس اليد من وجوه أحدها اتفاق السلف من الصدر الأول أن