البلد الذي يستحق فيه العقوبة فيحبس هناك وقال مجاهد وغيره هو أن يطلب الإمام الحد عليه حتى يخرج عن دار الإسلام* قال أبو بكر فأما من قال إنه ينفى عن كل بلد يدخل فهو إنما ينفيه عن البلد الذي هو فيه والإقامة فيه وهو حينئذ غير منفي من التصرف في غيره فلا معنى لذلك ولا معنى أيضا لحبسه في بلد غير بلده إذ الحبس يستوي في البلد الذي أصاب فيه وفي غيره فالصحيح إذا حبسه في بلده وأيضا فلا يخلو قوله تعالى (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) من أن يكون المراد به نفيه من جميع الأرض وذلك محال لأنه لا يمكن نفيه من جميع الأرض إلا بأن يقتل ومعلوم أنه لم يرد بالنفي القتل لأنه قد ذكر في الآية القتل مع النفي أو يكون مراده نفيه من الأرض التي خرج منها محاربا من غير حبسه لأنه معلوم أن المراد بما ذكره زجره عن إخافة السبيل وكف أذاه عن المسلمين وهو إذا صار إلى بلد آخر فكان هناك مخلا كانت معرته قائمة على المسلمين إذا كان تصرفه هناك كتصرفه في غيره أو أن يكون المراد نفيه عن دار الإسلام وذلك ممتنع أيضا لأنه لا يجوز نفى المسلم إلى دار الحرب لما فيه من تعريضه للردة ومصيره إلى أن يكون حربيا فثبت أن معنى النفي هو نفيه عن سائر الأرض إلا موضع حبسه الذي لا يمكنه فيه العبث والفساد وقوله تعالى (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) يدل على أن إقامة الحد عليه لا تكون كفارة لذنوبه لإخبار الله تعالى بوعيده في الآخرة بعد إقامة الحد عليهم قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) استثناء لمن تاب منهم من قبل القدرة عليهم وإخراج لهم من جملة من أوجب الله عليه الحد لأن الاستثناء إنما هو إخراج بعض ما انتظمته الجملة منها كقوله تعالى (إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ) فأخرج آل لوط من جملة المهلكين وأخرج المرأة بالاستثناء من جملة المنجين وكقوله تعالى (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) فكان إبليس خارجا من جملة الساجدين فكذلك لما استثناهم من جملة من أوجب عليهم الحد إذا تابوا قبل القدرة عليهم فقد نفى إيجاب الحد عليهم وقد أكد ذلك بقوله تعالى (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) كقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) عقل بذلك سقوط عقوبات الدنيا والآخرة عنهم فإن قال قائل قد قال في السرقة (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ