الجرين يحتمل أن يريد به بلوغ حال الاستحكام فلم يجز من أجل ذلك أن يخص حديث رافع
بن خديج في قوله لا قطع في ثمر ولا كثر وإنما لم يقطع في النورة ونحوها لما روت
عائشة قالت لم يكن قطع السارق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الشيء
التافه يعنى الحقير فكل ما كان تافها مباح الأصل فلا قطع فيه والزرنيخ والجص
والنورة ونحوها تافه مباح الأصل لأن أكثر الناس يتركونه في موضعه مع إمكان القدرة
عليه وأما الياقوت والجوهر فغير تافه وإن كان مباح الأصل بل هو ثمين رفيع ليس يكاد
يترك في موضعه مع إمكان أخذه فيقطع فيه وإن كان الأصل كما يقطع في سائر الأموال
لأن شرط زوال القطع المعينان جميعا من كونه تافها في نفسه ومباح الأصل وأيضا فإن
الجص والنورة ونحوها أموال لا يراد بها القنية بل الإتلاف فهي كالخبز واللحم ونحو
ذلك والياقوت ونحوه مال يراد به القنية والتبقية كالذهب والفضة* وأما الطير فإنما
لم تقطع فيه لما روى عن على وعثمان أنهما قالا لا يقطع في الطير من غير خلاف من
أحد من الصحابة عليهما وأيضا فإنه مباح الأصل فأشبه الحشيش والحطب* واختلف في
السارق من بيت المال فقال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد والشافعى لا يقطع من سرق
من بيت المال وهو قول على وإبراهيم النخعي والحسن وروى ابن وهب عن مالك أنه يقطع
وهو قول حماد بن أبى سليمان وروى سفيان عن سماك بن حرب عن ابن عبيد بن الأبرص أن
عليا أتى برجل سرق مغفرا من الخمس فلم يرد عليه قطعا وقال له فيه نصيب وروى وكيع
عن المسعودي عن القاسم أن رجلا سرق من بيت المال فكتب فيه سعد إلى عمر فكتب إليه
عمر ليس عليه قطع له في نصيب ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلاف ذلك وأيضا لما كان
حقه وحق سائر المسلمين فيه سواء فصار كسارق مال بينه وبين غيره فلا يقطع واختلف
فيمن سرق خمرا من ذمي أو مسلم فقال أصحابنا ومالك والشافعى لا قطع عليه وهو قول
الثوري وقال الأوزاعى في ذمي سرق من مسلم خمرا أو خنزيرا غرم الذمي ويجد فيه
المسلم* قال أبو بكر الخمر ليست بمال لنا وإنما أمر هؤلاء أن نترك مالا لهم بالعهد
والذمة فلا يقطع سارقها لأن ما كان مالا من وجه وغير مال من وجه فإن أقل أحواله أن
يكون ذلك شبهة في درء الحد عن سارقه كمن وطئ جارية بينه وبين غيره وأيضا فإن
المسلم معاقب على اقتناء الخمر وشربها مأمور بتخليلها أو صبها فمن أخذها فإنما