ولسارع إلى إقامته* قيل له ليس وجوب القطع مانعا من استثبات الإمام إياه فيه ولا
موجبا عليه قطعه في الحال لأن ما عزا قد أقر عند النبي صلّى الله عليه وسلّم
بالزنا أربع مرات فلم يرجمه حتى استثبته وقال لعلك قبلت لعلك لمست وسأل أهله عن
صحة عقله وقال لهم أبه جنة ولم يدل ذلك على أن الرجم لم يكن قد وجب بإقراره أربع
مرات فليس إذا في هذا الخبر ما يعترض به على خبر أبى هريرة الذي ذكر فيه أنه أمر
بقطعه حين أقر ومعلوم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يقدم على إقامة حد لم
يجب بعد وليس يمتنع أن يؤخر إقامة حد قد وجب مستثبتا لذلك ومتحريا بالاحتياط
والثقة فيه* ويدل على صحة ما ذكرنا أيضا حديث ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن
عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصارى عن أبيه أن عمرو بن سمرة أتى النبي صلّى الله عليه
وسلّم فقال يا رسول الله إنى سرقت جملا لبنى فلان فأرسل إليهم النبي صلّى الله
عليه وسلّم فقالوا إنا فقدنا جملا لنا فأمر به النبي صلّى الله عليه وسلّم فقطعت
يده ففي هذا الخبر أيضا قطعه بإقراره مرة واحدة* ومن جهة النظر أيضا أن السرقة
المقر بها لا تخلو من أن تكون عينا أو غير عين فإن كانت عينا ولم يجب القطع بإقرار
الأول فقد وجب ضمانها لا محالة من قبل أن حق الآدمي فيه يثبت بإقراره مرة واحدة
ولا يتوقف على الإقرار ثانيا وإذا ثبت الملك للمقر له ولم يثبت القطع صار مضمونا
عليه وحصول الضمان ينفى القطع وإن كانت السرقة ليست بعين قائمة فقد صارت دينا
بالإقرار الأول وحصولها دينا في ذمته ينفى القطع على ما وصفنا* فإن قال قائل إذا
جاز أن يكون حكم أخذه بديا على وجه السرقة موقوفا في القطع على نفى الضمان وإثباته
فهلا جعلت حكم إقراره موقوفا في تعلق الضمان به على وجوب القطع وسقوط* قيل له نفس
الأخذ عندنا على وجه السرقة يوجب القطع فلا يكون موقوفا وإنما سقوط القطع بعد ذلك
يوجب الضمان ألا ترى أنه إذا ثبتت السرقة بشهادة الشهود كان كذلك حكمها فإن لم يكن
الإقرار بديا موجبا للقطع فينبغي أن يوجب الضمان ووجوب الضمان ينفى القطع إذ كان
إقراره الثاني لا ينفى ما قد حصل عليه من الضمان النافى للقطع بإقراره الأول* فإن
قيل ينتقض هذا الاعتلال بالإقرار بالزنا لأن إقراره الأول بالزنا إذا لم يوجب حدا
فلا بد من إيجاب المهر به لأن الوطء في غير ملك لا يخلو من إيجاب حد ومهر ومتى
انتفى الحد وجب المهر وإقراره الثاني والثالث والرابع لا يسقط المهر الواجب بديا
بالإقرار الأول وهذا يؤدى إلى سقوط اعتبار عدد الإقرار في الزنا فلما صح وجوب
اعتبار عدد الإقرار