المختلفين في مراد الآية قد عرفوا القراءتين جميعا لأن القراءتين لا تكونان إلا توقيفا من الرسول للصحابة عليهما وإذا كانوا قد عرفوا القراءتين ثم لم يعتبروا هذا الاعتبار ولم يحتج بهما موجبو الوضوء من اللمس علمنا بذلك بطلان هذا القول وعلى أنهم مع ذلك لم يحملوهما على المعنيين بل اتفقوا على أن المراد أحدهما وحمله كل واحد من المختلفين على معنى غير ما تأوله عليه صاحبه من جماع أو لمس بيد دون الجماع فثبت بذلك أن القراءتين على أى وجه حصلتا لم تقتضيا بمجموعهما ولا بانفراد كل واحدة منهما الأمرين جميعا ولم يجعلوهما بمنزلة الآيتين إذا وردتا فيجب استعمال كل واحدة منهما على حيالها وحملها على مقتضاها وموجبها وكان أبو الحسن الكرخي يجيب عن ذلك بجواب آخر وهو أن سبيل القراءتين غير سبيل الآيتين وذلك لأن حكم القراءتين لا يلزم معا في حال واحدة بل بقيام أحدهما مقام الأخرى ولو جعلناهما كالآيتين لوجب الجمع بينهما في القراءة وفي المصحف والتعليم لأن القراءة الأخرى بعض القرآن ولا يجوز إسقاط شيء منه ولكان من اقتصر على إحدى القراءتين مقتصرا على بعض القرآن لا على كله وللزم من ذلك أن المصاحف لم يثبت فيها جميع القرآن وهذا خلاف ما عليه جميع المسلمين فثبت بذلك أن القراءتين ليستا كالآيتين في الحكم بل تقرآن على أن تقام أحدهما مقام الأخرى لا على أن يجمع بين أحكامهما كما لا يجمع بين قراءتهما وإثباتهما في المصحف معا* ويدل على أن اللمس ليس بحدث أن ما كان حدثا لا يختلف فيه الرجال والنساء ولو مست امرأة امرأة لم يكن حدثا كذلك مس الرجل إياها وكذلك مس الرجل الرجل ليس بحدث فكذلك مس المرأة ودلالة ذلك على ما وصفنا من وجهين أحدهما أنا وجدنا الأحداث لا تختلف فيها الرجال والنساء فكل ما كان حدثا من الرجل والمرأة فقوله خارج عن الأصول ومن جهة أخرى أن العلة في مس المرأة المرأة والرجل الرجل أنه مباشرة من غير جماع فلم يكن حدثا كذلك الرجل والمرأة* فإن قيل قد أوجب أبو حنيفة الوضوء على من باشر امرأته وانتشرت آلته وليس بينهما ثوب ولا فرق بين مسها بيده وبين مسها ببدنه* قيل له لم يوجب أبو حنيفة هاهنا الوضوء بالمباشرة وإنما أوجبه إذ التقى الفرجان من غير إيلاج كذلك رواه محمد عنه وذلك لأن الإنسان لا يكاد يبلغ هذه الحال إلا ويخرج منه شيء وإن لم يشعر به فلما كان الغالب في هذه الحال خروج شيء منه وإن