ومن جهة أخرى أن العدة حق الله تعالى وهم غير مؤاخذين بحقوق الله تعالى في أحكام الشريعة فإذا لم تكن عندهم عدة واجبة لم تكن عليها عدة فجاز نكاحها الثاني وليس كذلك نكاح ذوات المحارم إذ لا يختلف فيها حكم الابتداء والبقاء في باب بطلانه وأما النكاح بغير شهود فإن الذي هو شرط في صحة العقد وجوب الشهود في حال العقد ولا يحتاج في بقائه إلى استصحاب الشهود لأن الشهود لو ارتدوا بعد ذلك أو ماتوا لم يؤثر ذلك في العقد فإذا كان إنما يحتاج إلى الشهود للابتداء لا للبقاء لم يجز أن يمنع البقاء في المستقبل لأجل عدم الشهود ومن جهة أخرى أن النكاح بغير شهود مختلف فيه بين الفقهاء فمنهم من يجيزه والاجتهاد سائغ في جوازه ولا يعترض على المسلمين إذا عقدوه ما لم يختصموا فيه فغير جائز فسخه إذا عقدوه في حال الكفر إذ كان ذلك سائغا جائزا في وقت وقوعه لو أمضاه حاكم ما بين المسلمين جاز ولم يجز بعد ذلك فسخه وإنما اعتبر أبو حنيفة تراضيهما جميعا بأحكامنا من قبل قول الله تعالى (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) فشرط مجيئهم فلم يجز الحكم على أحدهما بمجيء الآخر* فإن قال قائل إذا رضى أحدهما بأحكامنا فقد لزمه حكم الإسلام فيصير بمنزلته لو اسلم فيحمل الآخر معه على حكم الإسلام قيل له هذا غلط لأن رضاه بأحكامنا لا يلزمه ذلك إيجابا ألا ترى أنه لو رجع عن الرضا قبل الحكم عليه لم يلزمه إياه بعد الإسلام يمكنه الرضا بأحكامنا وأيضا إذا لم يجز أن يعترض عليهم إلا بعد الرضا بحكمنا فمن لم يرض به مبقى على حكمه لا يجوز إلزامه حكما لأجل رضا غيره وذهب محمد إلى أن رضا أحدهما يلزم الآخر حكم الإسلام كما لو أسلم وذهب أبو يوسف إلى ظاهر قوله تعالى (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) قوله تعالى (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ) يعنى الله أعلم فيما تحاكموا إليك فيه فقيل إنهم تحاكموا إليه في حد الزانيين وقيل في الدية بين بنى قريظة وبنى النضير فأخبر تعالى أنهم لم يتحاكموا إليه تصديقا منهم بنبوته وإنما طلبوا الرخصة ولذلك قال (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) يعنى هم غير مؤمنين بحكمك أنه من عند الله مع جحدهم بنبوتك وعدو لهم عما يعتقدونه حكما لله مما في التوراة ويحتمل أنهم حين طلبوا غير حكم الله ولم يرضوا به فهم كافرون غير مؤمنين* وقوله تعالى (وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ) يدل على أن حكم التوراة فيما اختصموا فيه لم يكن منسوخا وأنه