وإنكار مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام وصيحة أُمّ المؤمنين في خدرها ، ولم تزل البغضاء محتدمة على هذه وأمثالها حتى كان في مغبّة الأمر ما لم يحمده خليفة الوقت وزبانيته الذين جرّوا إليه الويلات.
ولو ضرب المسيطر على الأمر صفحاً عن الفظاظة في الانتقام ، أو أعار لنصح صلحاء الأُمّة أُذناً واعية ، أو لم يستبدل جراثيم الفتن بمحنكي الرجال ، أو لم ينبذ كتاب الله وسنّة نبيّه وراء ظهره ، لما استقبله ما جرى عليه وعلى من اكتنفه من الوأد والهوان. لكنّه لم يفعل ففعلوا ، ولمحكمة العدل الإلهيّ غداً حكمها الباتّ.
ولابن مسعود عند القوم مظلمة أُخرى وهي جلده أربعين سوطاً في موقف آخر ، لما ذا كان ذلك؟ لأنّه دفن أبا ذر لمّا حضر موته في حجّته. وجد بالربذة في ذلك الوادي القفر الوعر ميتاً كان في الغارب والسنام من العلم والإيمان.
وجد صحابيّا عظيماً كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقرّبه ويدنيه قد فارق الدنيا.
وجد عالماً من علماء المسلمين قد غادرته الحياة.
وجد مثالاً للقداسة والتقوى ، فتمثّل أمام عينيه تلك الصورة المكبّرة التي كان يشاهدها على العهد النبويّ.
وجد شبيه عيسى بن مريم في الأُمّة المرحومة هدياً وسمتاً ونُسكاً وزُهداً وخلقاً ، طرده خليفة الوقت عن عاصمة الإسلام.
وجد عزيزاً من أعزّاء الصحابة على الله ورسوله وعلى المؤمنين قد أودى على مستوى الهوان في قاعة المنفى مظلوماً مضطهداً.
وجد في قارعة الطريق جثمان طيّب طاهر غريب وحيد نازح عن الأوطان تصهره الشمس ، وتسفي عليه الرياح ، وذكر قول رسول الله : «رحم الله أبا ذر يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويُحشر وحده».